وكلمة الله هي العليا

 

وكلمة الله هي العليا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وبعد :ــ يقول الله تعالى في كتابه الكريم{وجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى وكلمةُ الله هي العليا والله عزيز حكيم} إن الأمة الإسلامية في هذه الأزمنة تعيش من الهوان والذل ما لا يأتي القلم على وصفه ، ولهذا الذل والهوان أسباب كثيرة ، ولكن من أكبرها وأعظمها وأشدها خطرا هو التخلي عن التمسك بكلمة الله تعالى ، فإن كلمة الله تعالى هي العليا ، وكلمة الذين كفروا هي السفلى ، فمتى ما تمسكت الأمة الإسلامية واستمسكت بكلمة الله تعالى فإنها لا تزال هي العالية وهي العزيزة ولا تزال لها الصدارة على سائر الأمم ، ولكنها متى ما تخلفت عن الاعتصام بهذه الكلمة فإنها لن تلاقي إلا الذل والهوان والخيبة والخسارة ، إن الله تعالى قد كتب العزة والنصرة لمن أعز دينه وأعلا كلمته ، ودافع عن شريعته ، وجاهد في سبيله باليد والحجة والمال والغالي والنفيس ، كما قال تعالى{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} وقال تعالى{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون}وقال تعالى{ولينصرن الله من ينصره} فإن الأمة لو نصرت الله تعالى في نفسها لنصرها الله تعالى ، فلا عز للأمة ولا نصر ولا علو ولا رفعة ولا تمكين إلا بالتمسك بدينها والاعتصام بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، وبذل المهج والأرواح والغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الدين على كل الرؤوس ،إن الله تعالى أعلنها صريحة بأن كلمته هي العليا ، وأنزل هذه الآية على رسوله وهو مستخف في الغار مطرودا من مكة ، فلا دولة له ولا مكانة له بين أمم ذاك الزمان ، بل الدولة للكفر وأهل الكفر والعزة والمهابة للكفر وأهل الكفر ، ثم تنزل عليه هذه الآية العظيمة مبينة أنك أنت العزيز لأنك أقبلت على نصرة العزيز جل وعلا ، وأنت القوي لأنك تجاهد في نصرة دين القوي جل وعلا ، وأنت لك التمكين في الأرض ودينك الذي تدعو إليه هو الذي ستكون له الصدارة على كل دين ، وهو الذي سيحكم الأرض وسيعلو على كل الرؤوس ، بعز عزيز وذل ذليل ، وهو صلى الله عليه وسلم في غار هو وصاحبه رضي الله عنه ، فأي دين هذا الذي يُبَشَّرُ نبيُّه وأولياؤه بالنصرة والتمكين والعلو والرفعة وهم في غار خائفين من سلاطة الكفر وأهل الكفر ؟ لله دره ، إنه دين الله الذي لا يقوم له شيء في هذا الكون ، إنها العزة التي لا تنال إلا بالعبادة والعمل الصالح والدعوة إلى الله تعالى والتمسك بغرز هذه الشريعة المباركة ، إنها القوة التي لا تقف عند حدود الماديات من العدد والعتاد ،إنها الرفعة التي لا يستطيع جبار في الأرض أن يصدها ، ولا منافق على وجه هذه البسيطة أن يردها ، ولا قوة عاتية أن تقف في وجهها ، والعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات ، إنها جذوة الإيمان التي تحرق كل ما يقابلها من الأهواء والشهوات ، فالملك لله والعز لله وكلمة الله هي العليا ، فمن كان الله معه وهو معزه وناصره فلا خوف عليه ، فالعز الحقيقي الذي بدأنا نتخلى عنه إنما هو عز الاتصال بالله تعالى في صلاتنا وفي دعائنا وتضرعنا وسائر تعبداتنا، هو العز بالثقة بموعود الله تعالى بأنه ينصر من ينصره ، هو العز والفخر بأنه ربنا وإلهنا ، هو العز بأنه خلق أبانا بيده وأسجد له ملائكته ، هو العز بأنه من يدبر أمورنا ويصرف أحوالنا ، هو العز بأننا نسجد بين يديه ،ونركع له ، وننطرح عند عتبة بابه ، هو العز بأنه اختارنا لنصرة دينه وإعلاء كلمته ، هو العز بأن جعلنا هداة مهتدين ودعاة مصلحين ، هو العز بأنه جعلنا من خير الأمم ، وأفضل الأمم والسابقين يوم القيامة ، هو العز بأن جعل نبينا هو خير الأنبياء وأفضل الأنبياء على الإطلاق ، هذا وربك هو العز ، فلا نزال أعزة ما تمسكنا بكلمة الله ، وانظر إلى المعنى البلاغي في رفع كلمة الله في قوله{وكلمةُ الله هي العليا} فلم يرتض الله تعالى أن يجعلها معطوفة على قوله{وجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى} بل قطعها عن العطف بالرفع ، وذلك لأن كلمة الكفر اكتسبت السفل بالكفر ،وأما كلمة الله تعالى فهي أصلا في ذاتها عالية رفيعة ، ولأن الجهة مختلفة أصلا ، فكلمة الله تعالى في العلو المطلق ، وكلمة الكفر في السفل المطلق ، فاختلف الإعراب لاختلاف الجهات ، ولأن العز والرفعة والنصر والتمكين لا تكون إلا في التمسك بهذه الكلمة ، فكما أنها رفعت في الإعراب ، فكذلك هي ترفع من يتمسك بها وينصرها ، وقطعها عن العطف على كلمة الذين كفروا دليل على أن الأمة لا تزال في سفال وانكسار ما كانت واقفة عند حد إرضاء الكفرة بالتخلي عن التمسك بكلمة الله تعالى ، فهما كلمتان ، فأما كلمة الذين كفروا فهي السفلى ، وأما كلمة الله تعالى فهي العليا ، فإلى أي الكلمتين تنتسب ؟ فإن كنت تريد العزة والرفعة والنصر والعلو والتمكين فاستمسك بكلمة الله تعالى ، وإن كنت تريد الذل والهوان والخيبة والخسارة فدونك كلمة الذين كفروا ، فلله در هذا الكتاب العزيز كيف يدلنا على أسباب العزة والنصر والتمكين ، ولكن القلوب عنه معرضة والأبصار عنه عميا ، اللهم إني أسألك باسمك الأعظم أن تعزنا بعزك ، وأن ترفع رايتنا بنصرك وأن لا تكلنا إلى عجزنا وضعفنا ، وأن لا تسلط علينا عدوا حاقدا ولا منافقا بغيضا ولا كافرا يسومنا سوء العذاب ، إنك ولي ذلك والقادر عليه ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

 

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان