أحكام مختصرة لزكاة الفطر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وآله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وبعد :ــ
أحبابي في الله ، اسمحوا لمحبكم أن يضع بين أيديكم جملا من أحكام زكاة الفطر ، راجيا المولى أن ينفعني وإياكم بها ، وأنا أعلم أن الكثير منكم يعلمها ، ولكن من باب التواصي بالحق والتذكير به ، ومذاكرة العلم فيما بيننا ،مع التنبيه على أنني لن أذكر بعض الأدلة طلبا للاختصار، فأقول وبالله التوفيق :ــ
1) زكاة الفرض فرض على كل مسلم حرا كان أو عبدا ، ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا.
2) وشرعت في السنة الثانية من الهجرة .
3) وهي تفترق عن زكاة المال فالزكاةُ هي صدقةُ المال، والفطر والكفارةُ صدقة الأبدان.
4) وأما حكمتها فظاهرة، ففيها إحسان إلى الفقراء وكَفٌ لهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به ويكون عيدًا للجميع.وفيها الاتصاف بخلق الكرم وحب المواساة، وفيها تطهير الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم.وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه وفعل ما يتيسر من الأعمال الصالحة فيه.
5) وأما وقت إخراجها فوقتان: وقت فضيلة، ووقت جواز.فأما وقت الفضيلة: فهو صباح العيد قبل الصلاة لما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( كنا نخرج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام ) وفيه أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة ) رواه مسلم وغيره .
وقال ابن عيينة في تفسيره: عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: يقدم الرجلُ زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله يقول{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}ولذلك كان من الأفضل تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتسع الوقت لإخراج الفطرة.
6) وأما وقت الجواز: فهو قَبْل العيد بيوم أو يومين ففي صحيح البخاري عن نافع قال: ( كان ابنُ عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى إن كان يعطى عن بَنِيّ ( أولاد نافع الراوي عن ابن عمر ) وكان ابن عمر يعطي الذين يقبلونها وكانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ) .
7) ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها عن صلاة العيد بلا عذر لم تقبل منه لأنه خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ).
8) وأما إن أخرها لعذر فلا بأس، مثل أن يجيء العيد وليس عنده من يدفع إليه، أو يأتي خبر بثبوت العيد فجأة بحيث لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة أو يكون معتمدًا على شخص في إخراجها فينسى أن يخرجها قبل الصلاة فلا بأس أن يخرجها ولو بعد العيد لأنه معذور في ذلك.
9) من تركها تهاونا وكسلا فقد ارتكب محرما تجب عليه فيه التوبة النصوح ، وإن تاب بعد خروج وقتها وأخرجها فلا تقع عنه موقع زكاة الفطر ، بل هي صدقة من الصدقات ليس إلا .
10) من نسيها أو نام عن إخراجها مثلا فله أن يخرجها ولو بعد صلاة العيد ، لأن الله تعالى تجاوز عن هذه الأمة الخطأ والنسيان ، وقد قال تعالى{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}قال الله تعالى " قد فعلت " كما في صحيح مسلم .
11) وأما مقدار الفطرة فهو صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبارة عن كيلوين وأربعين جرامًا من البُرِّ توضع في إناء بقدرها بحيث تملؤه ثم نكيل به.
12) ولا تجب إلا على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته، فإن لم يجد إلا أقّل من صاع أخرجه .
13) الخادمة والأجير عندك يخرجون هم عن أنفسهم ، إلا إن أردت أن تخرج عنهم فلا حرج ، ولكن لابد من أخذ الإذن المسبق منهم .
14) ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا أن يُتطوعَ بها فلا بأس، فقد كان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يخرجها عن الحمل.
15) ويخرجها المسلم عن نفسه وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم لأنهم المخاطبون بها أصلا.
16) الواجب هو إخراج ما كان قوتا معتادا في البلد ، ولا يلزم أن يكون من الأصناف المنصوص عليها في الحديث ، فلو أخرج الأرز في بلادنا فلا حرج ، لأنه القوت المعتاد فيخرج أهل كل بلد من قوتهم المعتاد .
17) ولا يجزئ إخراج القيمة عند جمهور العلماء لأن ذلك خلاف ما أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ولأن إخراج القيمة مخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم حيث كانوا يخرجونها صاعًا من طعام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين كما لا يجزئ إخراجها في غير الوقت المعين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّنها من أجناس مختلفة، وقِيَمُها مختلفة غالبًا، فلو كانت القيمة معتبرة لكان الواجب صاعًا مما يقابل قيمته من الأجناس الأخرى.ولأن إخراج القيمة يخرج الفطرة عن كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة خفية، فإن إخراجها صاعًا من طعام يجعلها ظاهرة بين المسلمين معلومة للصغير والكبير يشاهدون كيْلها وتوزيعها ويتبادلونها بينهم، بخلاف ما لو كانت دراهم يخرجها الإنسان خفية بينه وبين الآخذ.
18) ويجوز توزيع الفطرة على أكثر من فقير ،وكذلك دفعُ عدد من الفطر إلى مسكين واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّر الواجب ولم يقدر من يُدفَع إليه، وعلى هذا لو جمع جماعة فطرهم في وعاء واحدٍ بعد كيله وصاروا يدفعون منه بلا كيل ثان أجزأهم ذلك.
19) ولا يجوز دفعها لغير الفقراء والمساكين ، وعليه :ــ فما اعتاده كثير من الناس من دفعها إلى الجيران والأقارب ، مع أنهم أغنياء فهو فعل لا يصح ، ولا بد من التنبيه عليه .
11) المشروع إخراجها في فقراء البلد الذي أنت فيه ، ولو لم يكن هو بلدك الأصلي، لأنها متعلقة بالبدن ، وإن أوصيت من يخرجها عنك في بلدك الأصلي فلا حرج وتقع موقعها إن شاء الله تعالى .
12) من مات قبل غروب شمس يوم العيد ولو بدقائق لم يجب على ورثه إخراجها عنه ، لأنه مات قبل انعقاد سبب الوجوب .
13) من مات بعد غروب الشمس وجب إخراجها عنه من تركته ، لأنه صار بغروب الشمس أهلا لوجوبها .
14) إن أسلم الكافر قبل غروب شمس يوم العيد وجب عليه إخراجها ، وأما إن أسلم بعد غروب الشمس فإنه لا يجب عليه إخراجها ، ولكن يستحب له مشاركة إخوانه المسلمين في إخراجها إن كان واجدا .
15) من ولد قبل الغروب ولو بدقائق وجب إخراج الصدقة عنه، لأنه أدرك بعض الوقت من رمضان ، وأما من ولد بعد الغروب فلا يجب على وليه إخراجها عنه ، ولكن يستحب له إخراجها فقط ، والله أعلم .