خلاصة البحث في حكم الغناء

 

خلاصة البحث في حكم الغناء


 

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وبعد :ــ فإنه قد أفتى بعض طلبة العلم في هذا الزمان بأن الغناء مباح ، وهذه الفتوى بنيت على غير التحقيق ، ولعله أفتى بذلك لعدم علمه بالدليل الوارد في هذه المسألة ، والله يعفو عن الخطأ والزلة ، ولا نظن في العالم عند مخالفة الدليل الصحيح إلا أنه لم يطلع عليه ، أو أنه اطلع عليه ولكن لم يصح عنده ، أو أنه صح عنده ولكنه وجد ما يعارضه من أحاديث أخر ، والحق الحقيق بالقبول في هذه المسألة هو القول بالتحريم ، فالغناء كله محرم ، وهو الذي ندين الله تعالى به ، والدليل على حرمته عدة أمور :ــ
منها :ــ قوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ... الآية} وقد فسر جمع كبير من السلف بأنه الغناء وهذا من باب التفسير بالمثال وإلا فالآية أوسع من ذلك .
ومنها :ــ عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري قال:"ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.
ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" رواه البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوماً به داخلاً في شرطه.
ومنها:ــ قوله عليه الصلاة والسلام "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض. ويجعل منهم القردة والخنازير"
ومنها :ــ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة" وقال المنذري والهيتمي:- رجاله ثقات ، وقال الألباني ( إسناده حسن )
ومنها :ــ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله حرم علي - أو حرم - الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام" رواه أبو داود والبيهقي وأحمد في المسند وسنده صحيح ، وقال سفيان:- قلت لعلي بن بذيمة:- ما الكوبة؟ فقال:- الطبل .
ومنها :ــ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام" رواه أبو داود وغيره وإسناده جيد.
ومنها :ــ عن قيس بن سعدٍ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث عبدالله بن عمرو السابق ، وقد رواه البيهقي والطبراني في الكبير ، وإسناده حسن,
ومنها :ــ عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف".قيل: يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال:"إذا ظهرت المعازف وكثرت القيان وشربت الخمور" أخرجه الترمذي ، وقال الألباني رحمه الله تعالى ( ورجاله ثقات غير عبدالله بن عبد القادوس قال الحافظ:- صدوق رمي بالرفض وكان أيضاً يخطئ ، قلت:- أي الألباني:- رفضه لا يضر حديثه وخطؤه مأمون بالمتابعات أو الشواهد التي تؤيد حفظه له )أهـ ثم ذكر له من المتابعات والشواهد الشيء الكثير مما يفيد أن الحديث في رتبة الاحتجاج به .
ومنها :ــ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا تجارة فيهن وثمنهن حرام - وقال: - إنما نزلت هذه الآية في ذلك": {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}حتى فرغ من الآية ثم أتبعها:والذي بعثني بالحق ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا بعث الله عز وجل عند ذلك شيطانين يرتقيان على عاتقيه ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره - وأشار إلى صدر نفسه - حتى يكون هو الذي يسكت"
ومنها :ــ عن عبدالرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إني لم أنه عن البكاء ، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين ، صوت عند نعمة ولهو ، ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة ، لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان )) أخرجه الحاكم والبيهقي والترمذي مختصراً وإسناده حسن ثم أقول :ــ لقد تقرر بالدليل الصحيح الصريح حرمة الغناء واستعمال آلات الملاهي والطرب كالعود والطبل والكمان والقانون والناي وغير ذلك من ألآت الإطراب التي يستعملها أهل المجون والغناء.
ومنها :ــ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا تجارة فيهن وثمنهن حرام ، وقال:- إنما نزلت هذه الآية في ذلك (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث )) حتى فرغ منها ثم أتبعها بقوله:- والذي بعثني بالحق ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا بعث الله عز وجل عند ذلك شيطانين يرتقيان على عاتقيه ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره حتى يكون هو الذي يسكت )) أخرجه الطبراني في الكبير وسنده جيد ، وهذه بعض الأدلة على هذه المسألة ، وبها يتضح حكم المعازف والغناء وأنه حرام لا يجوز ، وهو مذهب جماهير أهل العلم رحمهم الله تعالى ، وقد انعقد اتفاق الأئمة الأربعة على تحريمه ، ولما نسب بعض الشيعة إباحية الغناء لأهل السنة رد عليه ابن تيمية بقوله ( هذا من الكذب على الأئمة الأربعة فإنهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه ، ولو أتلفها متلف عندهم لم يضمن صورة التالف بل يحرم عندهم اتخاذها ) أهـ وقال بالتحريم شريح القاضي وسعيد ابن المسيب والشعبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم كثير مما لا يحصى عددهم ، قال الألباني رحمه الله تعالى ( والخلاصة:- أن العلماء والفقهاء وفيهم الأئمة الأربعة متفقون على تحريم آلات الطرب إتباعاً للأحاديث النبوية والآثار السلفية وإن صح عن بعضهم خلاف فهو محجوج بما ذكر والله عز وجل يقول (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )) ) أهـ وبهذا تعلم القول الصحيح في هذه المسألة وهو التحريم وحيث علمت ذلك فالواجب هو الأخذ بما دلت عليه الأدلة الصحيحة ولا يجوز الأخذ برخصة بعض المالكية الأتباع فيها ، فإن بعض المالكية الأتباع رخصوا في السماع ولكنها زلة وهفوة أسأله جل وعلا أن يعفو عمن قال بها ، والحق وجوب الحذر من هذه الهفوة .
فالمعازف محرمة بجميع آلاتها والغناء محرم ، ولا يحل لأحدٍ أن يترخص برخصة بعض أهل العلم في ذلك لأن رخصته هذه وردت على خلاف النص وهي مجرد رأي بني على عدم التحقيق في دراسة الأحاديث في المسألة فإياك أيها المسلم الناصح لنفسه أن تتبع هذه الرخصة فإنها على خلاف الدليل فالحذر الحذر من المعازف كلها والغناء كله ، والله جل وعلا قد أمرنا عند حصول الخلاف أن نرد الأمر المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة وبعد الرد وجدنا الأدلة تدل على التحريم فمجرد وقوع الخلاف في هذه المسألة لا يجعلك في حل أن تختار من القول ما يتوافق مع هواك ، بل الواجب النظر في أدلة الفريقين وترجيح ما يسنده النص وقد رأيت بعينك أن النص الصحيح الصريح قد جاء بحرمة المعازف والغناء.وقد ورد عن سلف الأمة كلام كثير في النهي عن الغناء ، وأنه ينبت النفاق في القلب ، وقد بين ابن القيم رحمه الله تعالى وجه ذلك فقال رحمه الله تعالى 
(فإن قيل : فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي قيل هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها وأنهم هم أطباء القلوب دون المنحرفين عن طريقتهم الذين داووا أمراض القلوب بأعظم أدوائها فكانوا كالمداوي من السقم بالسم القاتل وهكذا والله فعلوا بكثير من الأدوية التي ركبوها أو بأكثرها فاتفق قلة الأطباء وكثرة المرضى وحدوث أمراض مزمنة لم تكن في السلف والعدول عن الدواء النافع الذي ركبه الشارع وميل المريض إلى ما يقوي مادة المرض فاشتد البلاء وتفاقم الأمر وامتلأت الدور والطرقات والأسواق من المرضى وقام كل جهول يطبب الناس فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ونباته فيه كنبات الزرع بالماء فمن خواصه أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدا لما بينهما من التضاد فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى ويأمر بالعفة ومجانبة شهوات النفوس وأسباب الغي وينهى عن اتباع خطوات الشيطان والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه ويهيج النفوس إلى شهوات الغى فيثير كامنها ويزعج قاطنها ويحركها إلى كل قبيح ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح ... وهو جاسوس القلب وسارق المروءة وسوس العقل يتغلغل في مكامن القلوب ويطلع على سرائر الأفئدة ويدب إلى محل التخيل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله وقل حياؤه وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه ) انتهى بطوله من كلامه - رحمه الله -

 

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان