الميزان الصحيح في التفضيل بين الناس

 

الميزان الصحيح في التفضيل بين الناس


 

الحمد لله وبعد :ــ إن هناك موازين مختلة في التفضيل بين الناس والتمييز بينهم ، قد ذكرها الله تعالى في كتابه ، وخلاصتها ثلاثة موازين :ــ ميزان فرعوني ــ نسبة إلى فرعون ــ وهو التفضيل بالمناصب ، كما قال تعالى عنه أنه قال لقومه في عقد مقارنة بينه وبين موسى عليه السلام " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين " ففضل نفسه على موسى في المنصب ، والميزان الثاني :ــ الميزان القاروني ــ نسبة إلى قارون ــ وهو التفضيل بالمال ، كما قال الله تعالى عنه " قال إنما أوتيته على علم عندي ... الآيات " وقال تعالى " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ، وأما إذا ما ابتلاه فقدر ــ أي ضيق ــ عليه رزقه فيقول ربي أهانن " والميزان الثالث :ــ الميزان القرشي ــ نسبة إلى قريش ــ وهو التفضيل بين الناس بالأحساب والأنساب ، كما قال تعالى عنهم " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " أي عظيم في ماله ونسبه ومنصبه وشرفه ، وكل هذه الموازين باطلة ، بل إن بطلانها مما جاءت به الشريعة وقررته التقرير الذي لا مزيد عليه ، فإن قلت :ــ فما الميزان الصحيح في التفضيل بين الناس ؟ فأقول :ــ إنه الميزان الرحماني الرباني المحمدي ، وهو التفضيل بحسب ما في القلب من الإيمان والتقوى ، كما قال تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " فليست العبرة في المنصب ولا في المال ولا في الحسب والنسب ، وإنما العبرة في تحقيق التقوى والالتزام بالشرع ، والقيام بحق الله تعالى في العبودية المستجمعة لشرطي الإخلاص والمتابعة ، فعلى قدر ما في القلب من التقوى والتوحيد والإيمان على قدر ما ترتفع عند الرب جل وعلا منزلة وقدرا ، وانظر إلى بلال وأبي لهب ، فبالله عليك ، أين هذا من هذا في الحسب والمال والمنصب ؟ ولكن بلال عند الله تعالى خير من ألف رجل كأبي لهب ، وما ذلك إلا بالإيمان والتقوى ، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم دف نعليه في الجنة ، بينما يقول الله تعالى في أبي لهب " تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب ، سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد " فلم يضر بلالا سواده وعبوديته لما حقق الإيمان والتقوى ، ولم ينفع أبا لهب شرفه وماله وحسبه لما تخلف عنه الإيمان والتقوى ، فبما أن التفاضل عند الله تعالى لا يكون إلا بذلك ، فالله الله يا إخواني بالإيمان والالتزام بالشرع ، وإخلاص التعبد لله تعالى ، ليكن همك في يومك وليلتك إنما هو كيف تترقى في مدارج العبودية لله تعالى حتى تترقى في مدارج الفضل وعلو المراتب ، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ....

 

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان