قاعدة من قواعد الطب
الحمد لله وبعد :ــ فقد كنت في زمن مضى كتبت مجموعة قواعد شرعية وفرعت عليها بعض المسائل الطبية ، ويسعدني أن أتحفكم بواحدة منها ، وهي القاعدة التي تقول ( الأصل في المضار التحريم )فكل شيء فيه مضرة فإنه ممنوع شرعًا ، فيدخل في ذلك التداوي بالأدوية الخبيثة ، كالخمر فإن هذا لا يجوز ؛ لأن الخمر أم الخبائث ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي ، وأخبر أنها داء وليست بدواء ،و كالتداوي بشحم الخنـزير فإنه حرام لا يجوز ، قال تعالى : } قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ { ، وقال تعالى : } وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ { .
ويدخل في ذلك : التداوي بالنجاسات ، كالتداوي بالبول أو بالدم المسفوح كما يفعله بعض الأعراب في ضواحي نجد وبعض القبائل في أفريقيا .
ويدخل في ذلك :التداوي بالميتات أو بشيء من أجزائها ، فإن الميتة حرام ونجسة ، قال تعالى : }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... { الآية .
ويدخل في ذلك : التداوي بالموسيقى ، كما يفعله بعض أطباء النفس في الغرب ومن يقلدهم من أطباء المسلمين - هداهم الله - ، فكل ذلك حرام لأنه يشتمل على ضرر محقق .
ويدخل في ذلك : التداوي بتعليق التمائم الشركية أو من القرآن ، كل ذلك حرام ، قال - عليه الصلاة والسلام - : (( إن الرقى والتمائم والتولة شرك )) ، وقال : (( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ))، وقال: (( من تعلق تميمية فقد أشرك )) ، ولما رأى النبيe رجلاً وفي يده حلقة من صفر قال : (( ما هذه )) ؟ قال : من الواهنة . فقال : (( انزعها عنك فإنها لا تزيدك إلا وهنًا ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا )) .
فالتمائم كلها حرام من القرآن أو من غير القرآن .
ويدخل في ذلك : التداوي بالذهـاب إلى السحرة وإتيان الكهان والعرافين والمشعوذين ، وهذه طامة وخيمة تذهب الدين وتهلك العقيدة ، وفي الحديث : (( من أتى عرافًا أو كاهنًا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد e )) .
ويدخل في ذلك : التداوي بالأعشاب الضارة المهلكة ، ولابد من الحذر من الأعشاب التي تباع عند العطارين ، فإن كثيرًا منها فيه ضرر محقق ، ونحن لا ننكر أصل التداوي بالأعشاب ، ولكن لابد أن يكون المشرف على وصفة العشب الأطباء الثقات وذووا الخبرة والدراية التامة في ذلك المجال ، وأما أن يشرف عليها من هب ودب ، فهذا هو الذي ننكره .
ويدخل في ذلك : التداوي بما نهي عن قتله ، كالتداوي بالنملة أو الضفدع أو الهدهد أو الصرد ، كل ذلك لا يجوز التداوي به ؛ لأن التداوي به يوجب قتله ، وقد نهينا عن قتله .
ويدخل في ذلك : التداوي بما أمر الله بقتله ، كالوزغ والغراب والعقرب والكلب العقور والفأرة ونحوها، كل ذلك لا يجوز التداوي به ؛ لأننا لم نؤمر بقتله إلا لأنه خبيث وضار.
ويدخل في ذلك : التداوي بالمخدرات ؛ لأنها أم الضرر وجماعه ، فهي مشتملة على الضرر الديني والجسدي .
ويدخل في ذلك : التداوي بجراحات التجميل التحسينية بمختلف أنواعها ، وأما الجراحات الطبية الضرورية والحاجية فإنها جائزة ، وقد شرحنا هذه المسألة بأدلتها وتفاصيلها في كتاب المسائل الطبية .
وجماع ذلك أن كل شيء اشتمل على ضرر ديني أو جسدي فإنه يحرم التداوي به ؛ لأنه ضار والأصل في المضار التحريم ، والله أعلم .