القاعد الثالثة :- الدعوة مبناها على العلم والبصيرة لا التخبط والتخليط . |
القاعد الثالثة :- الدعوة مبناها على العلم والبصيرة لا التخبط والتخليط . وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم رحمهم الله تعالى ، فلا تجوز الدعوة لأحد إلا إن كان عالما في المجال الذي يدعو له ، ولا يضر جهله بغير هذا المجال ، فإن العلم الذي نقصده هنا ليس هو كل العلم الموجود في الكتاب والسنة وكتب أهل العلم رحمهم الله تعالى ، فإن هذا لا يقوى عليه أحد إلا النادر من الناس ، وإنما نعني أنك بارك الله تعالى فيك لا تدعو الناس في مسألة من مسائل الدين إلا وأنت عالم بما تدعو إليه ، فلا بد من العلم في الدعوة ولا بد من البصيرة في الدعوة ، فالجاهل لا يجوز له الدعوة فيما هو جاهل فيه ، فالدعوة إلى الله تعالى مشروطة بالعلم بما تدعو له ، فلا دعوة إلا بعلم وبصيرة ، وكم من الدعوات التي بنيت على الجهل والتخبط والهوى ، فكانت ذات آثار سيئة في العالم فالعلم والبصيرة أصل كبير من أصول الدعوة ، والأدلة على هذا الأصل الكبير كثيرة جدا ، نذكر لك طرفا منها :- من الأدلة عليها :- قوله تعالى ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ قال ابن كثير رحمه الله تعالى ( يقول الله تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين الإنس والجن، آمرًا له أن يخبر الناس: أن هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بَصِيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكلّ من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي ) فالبصيرة هنا يراد بها البرهان الواضح والدليل الظاهر ، وضد البصيرة التخبط والهوى ، قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ( والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه ) وقال رحمه الله تعالى في بيان أخلاق الداعية ( أن تكون على بينة في دعوتك أي على علم، لا تكن جاهلا بما تدعو إليه ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [ فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بد من بصيرة وهي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية، أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلا أو تركا، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة ) قال العلماء رحمهم الله تعالى ( والبصيرة في الدعوة لا تختص بالعلم الشرعي فقط ، بل تشمل : العلم بالشرع ، والعلم بحال المدعو ، والعلم بالسبيل الموصل إلى المقصود ، وهو الحكمة ، فيكون بصيرا بحكم الشرع ، وبصيرا بحال المدعو ، وبصيرا بالطرق الموصلة لتحقيق الدعوة ) والله أعلم . ومن الأدلة أيضا :- قوله صلى الله عليه وسلم " من دعا إلى هدى ، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ... الحديث "(1) والهدى هو الحق المتفق مع الكتاب والسنة ، وهذا لا يعرف إلا بالعلم ، فإن الجاهل بالأمر لا يدري عن حقيقته أهو من الهدى أو لا ، لأن معرفة كون الأمر المدعو له من الهدى من عدمه لا يعرف إلا بمعرفة الشرع ، فما وافق الشرع فهو الهدى ، وما خالفه فهو الضلال ، فمعرفة الهدى من الضلال مفتقرة إلى العلم ، فدل هذا الحديث على اشتراط العلم ، والله أعلم . ومن الأدلة أيضا :- أن الله تعالى قد عاب أهل الكفر والجهل على تحريم ما لم يحرمه ، وتشريع ما لم يشرعه ، وذلك في آيات كثيرة ، كما عاب عليهم تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وكما عاب عليهم تحريم ما في بطون بعض الأنعام على الإناث دون الذكور ، وكما نعى عليهم قتل أولادهم بغير علم ولا برهان ، وغير ذلك مما يعيبه الله تعالى على حال أهل الكفر بأنهم جهال فيما يدعون أقوامهم له ، وأن تحريمهم بني على غير برهان ولا حجة ، وهذا يفيد ضمنا ، بل نصا على اشتراط العلم في الدعوة ، فإن التحليل والتحريم والإيجاب المبني على غير برهان هو حال أهل الشرك ، وحيث عاب الله تعالى طريقتهم وسفههم في تصرفاتهم دل هذا على أن العلم شرط في الدعوة ، وأن الدعوة التي تبنى على غير العلم والهدى لا جرم أن ضلالها سيكون أكثر من هداها إن كان فيها هدى ، والله أعلم . ومن الأدلة أيضا :- قوله تعالى ] ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ والحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن كلها فرع من فروع العلم ، فمن لا علم عنده في الدعوة فلن تكون عنده تلك الصفات التي عليها قوام الدعوة إلى الله تعالى ، والله أعلم . ومن الأدلة أيضا :- الأدلة الدالة على تحريم القول على الله تعالى بلا علم ، كقوله تعالى ] وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ [ وكقوله تعالى ] وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [ وقال تعالى ] قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [ ونحو ذلك من النصوص الدالة على منع القول على الله تعالى بلا علم ، وقد تقرر في الأصول أن النهي عن الشيء أمر بضده فالنهي عن القول على الله تعالى بلا علم أمر بالعلم في الدين وأن لا يقال على الله تعالى إلا بالعلم والبرهان والحجة ، وهذا لا يكون إلا بطلب العلم ، فمن دعا إلى الله تعالى بغير علم فله حظ ونصيب وكفل من هذا الذم الكبير في كتاب الله تعالى ، وهو متوعد بهذا الوعيد ، وعليه :- فلا تجوز الدعوة إلى الله تعالى بلا علم ، وأي دليل أوضح من هذه الأدلة ، والله أعلم . ومن الأدلة :- الإجماع ، فقد أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن من شرط الدعوة إلى الله تعالى العلم بما تدعو له ، وأنه لا يجوز للعبد أن يدعو الناس على جهل ، وهذا أمر متفق عليه بينهم في الجملة ، ولا نعلم فيه خلافا بينهم ، بل نقل عنهم رحمهم الله تعالى الإنكار الشديد على من يدعو الناس على جهل ، إذا علمت هذا وتحققته جيدا ، فدونك بعض الفروع الموضحة لهذه القاعدة :- فمنها :- أنه لا يجوز للإنسان إرسال رسالة جوال دعوية إلا وهو يعلم صحة مضمونها ، فإن مما ابتلي به الناس في هذه الآونة الخيرة كثرة الرسائل الدعوية التي تحمل في مضمونها أحاديث أو أمور ترغب في الخير ولكنه لا يدري عن حقيقتها ، ولا يدري أهي صواب أم خطأ ، ولا يدري عن الأحاديث التي فيها أهي صحيحة أم ضعيفة ، فهذا الصنف من الناس الذي تأتيه هذه الرسائل لا يجوز له شرعا إرسالها لغيره إلا بعد التأكد التام من أنها متفقة مع الشرع ، وأنها صحيحة المضمون ، ولا يكفي فيها أنها جميلة العبارات رقيقة الألفاظ ، لا ، بل لا بد من التأكد من صحتها في ذاتها وموافقتها للمتقرر شرعا ، وأن الأحاديث التي فيها أحاديث صحيحة ، ذلك لأن العبد إنما يرسلها لغيره من باب الدعوة إلى الله تعالى والدعوة مبناها على العلم ، فلا دعوة إلا بعلم ، فرسائل الجوال المجهولة المصدر والتي يخفى أمرها على الإنسان لا يجوز له الاستعجال في إرسالها إلا بعد التأكد منها بعرضها على أهل العلم العارفين بها فإن أقروها وصححوها فالحمد لله ، وإلا فما لها إلا أن تلغى ، ويناصح من أرسلها بأنها ليست بصحيحة ، وبهذا قد سددنا على أنفسنا بابا كبيرا من الأبواب التي ولجت منه كثير من الخرافات التي لا أساس لها من الصحة ، وكم في هذه الرسائل من الأحاديث الضعيفة ، بل الموضوعة ، فالواجب التثبت منها ومن صحتها قبل إرسالها ، لأن المتقرر أن الدعوة مبناها على العلم والبصيرة ، لا على التخبط والهوى ، والله أعلم . ومنها :- الدعوة إلى الله تعالى بالقصص والحكايات والمنامات ، فإنه لا يجوز نقل القصة ولا الحكاية التي فيها نوع تأثير وتخويف إلا بعد التأكد التام من صحتها ، وأما نقل الأخبار والروايات التي لا خطام لها ولا زمام فإنه أمر لا يجوز ، لأن الدعوة إلى الله تعالى ليس مبناها على التخرص والهوى والظنون الكاذبة ، بل مردها إلى العلم والبصيرة ، ولا يكفي أنها حكايات تحقق المقصود من اهتداء الناس وتأثرهم ، لا ، هذا وحده لا يكفي ، بل لا بد من العلم بأنها صحيحة ، وإلا فتكون من الكذب, ومن المعلوم أن المتقرر في القواعد أن سلامة المقاصد لا يسوغ الوقوع في المخالفات ، فالكذب محرم في الشرع وكم من الحكايات التي نسمعها من بعض الدعاة ولكنها عند التحقيق والبحث والنظر لا يكون لها أي نصيب من الصحة ، فالدعوة إلى الله تعالى بالقصص والحكايات التي لا صحة لها أمر لا يجوز ، لأنه من الكذب ، ولأن الدعوة مبناها على العلم بما تدعو إليه ، فالواجب الحذر من ذلك ، والله تعالى أعلم. ومنها :- لقد نشأت طائفة تقول :- لا حرج في الكذب في الحديث إن كان المقصود منها ترغيب الناس في الخير ، لأن هذا من الكذب لرسول الله ، وليس من الكذب عليه ، قلت :- وهذا قمة الجهل وغاية الخبل ، وأفسد الاستدلال ، بل هو فهم فاسد ورأي كاسد ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، الكذب كله حرام ، وأعظم الكذب وأكبر البهتان الكذب على الله تعالى والكذب على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"(1) متفق عليه ، وهو من الأحاديث المتواترة عند أهل العلم رحمهم الله تعالى ، فلا يجوز الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، لثبوت النهي عن الكذب كله ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص ، فالكذب على الشارع من الكبائر الموبقة ومن عظائم الآثام المهلكة ، وقد أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى على حرمة الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، حتى وإن غلب على ظن الكاذب أن كذبته تنفع الدين ، لا والله لا يجوز هذا الأمر البتة ، والمتقرر أن سلامة المقاصد لا تسوغ الوقوع في المخالفات ، فالكذب في الحديث لا يجوز مطلقا ، فهذه الطائفة التي تكذب في الحديث بهذه النية طائفة ضالة ، وليست على الهدى ، لأنها تدعو إلى الله تعالى على جهل والمتقرر أن الدعوة مبناها على العلم والبصيرة لا على التخبط والهوى ، والله أعلم . ومنها :- من الأمور المنكرة ما تقرره بعض طوائف الضلال من إشغال الناس بالبدع من الأذكار الجماعية والموالد المبتدعة والطقوس التي ينسبونها للشرع ، بحجة أننا لو تركنا الناس بلا ذلك لاشتغلوا بالباطل من الشهوات ، فنحن نشغلهم بهذه الأمور حتى نقربهم إلى الله تعالى ، قلت :ــ وهذا كسابقه كله تخبط وهوى ، لم يبن على أساس صحيح ، ولا على برهان ظاهر ، بل هو التخرص والكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالبدع كلها محرمة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "وإياكم ومحدثات الأمور ، وكل بدعة ضلالة " وقال عليه الصلاة والسلام "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وقال " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وقال " ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الآثام مثل آثام من تبعه ... الحديث " والبدع كلها من الضلالة ، والحق أنه ليس في الدين بدعة حسنة ، والدين كامل ، وإشغال الناس بالمشروع فيه الكفاية والهداية والخير ، وعليه :- فما ذهبت له تلك الطائفة هو في حقيقته دعوة للناس على جهل وهوى ، والمتقرر أن الدعوة مبناها على العلم والبصيرة لا على التخبط والهوى والظنون الكاذبة التي لم تبن على علم ولا على هدى ، والله أعلم . ومنها :- مجال الإفتاء ، فإن الفتوى دين ، ومبناها على العلم والبصيرة ، ولا يجوز أن يفتي في دين الله تعالى على الجهل ، بل لا بد من العلم ، أي أن يكون عالما بما يفتي به ، وقد وردت الأدلة الكثيرة الدالة على حرمة القول على الله تعالى بلا علم ، بل هو من أكبر الكبائر وأعظم المحرمات ، فالفتوى باب من أبواب الدعوة إلى الله تعالى ، والدعوة مبناه على العلم والبصيرة لا على التخبط والهوى ، والواجب على ولاة الأمر أن يمنعوا من علموه أنه يفتي الناس على جهل ، بل منعه أولى وأجوب من منع المكاري الجاهل ومن يغش في البيع ، فإن المفتي للناس على الجهل أعظم فسادا وأخطر وأقبح أثرا من هؤلاء وأنت خبير بكثرة الفتاوى التي خولف بها الدليل ، لا سيما مع كثرة القنوات الفضائية ، وتعدد المفتين فيها ، وتنوع رغبات الناس ومقاصدهم في الفتوى ، وهل بالله عليك الفتوى بتجويز الحكم بغير ما أنزل الله تعالى مما بنيت على العلم والهدى؟ أو الفتوى بتجويز الطواف حول القبور وزيارتها للتبرك بترابها والاحتفال بموالد الأموات هل هذه الفتاوى بنيت على الدليل من الكتاب والسنة ؟ وهل الفتوى بتجويز التبرك بالأحياء التبرك الذاتي أو الفتوى بتجويز بعض الأفعال المنكرة في الشرع كبعض البدع من الأذكار الجماعية والضرب بالطبول ونحوها مما لا يحصى ، هل هذه الفتاوى صدرت عن علم بحقيقة الحال ؟ وهل الفتوى التي تجيز الحج في غير أشهره بنيت على برهان ؟ أو الفتوى التي تجيز التضحية بالأرانب والدجاج ، هل بنيت على هدى ؟ يا سبحان الله ، ما هذا التخبط وما هذا التخرص ، صارت الفتوى في هذه الأزمنة أمر يستأسد عليه العوام والجهال وأنصاف المثقفين ومن هب ودب ، والباب فيها مفتوح لكل أحد ، ولا أسهل على بعض الناس من أن يقول :ــ هذا حلال وهذا حرام ، ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والأمر يحتاج إلى وقفة قوية صادقة من ولاة الأمر ، وأهل العلم ، ولا بد من معاقبة من عرف عنه أنه يفتي الناس على جهل ، يا سبحان الله ، لو أن أحدا تكلم في أمير من الأمراء أو وزير من الوزراء لأمسك من تلابيب رقبته وزج به في الأرض السابعة ، وكثير من الجهال يتكلمون على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وفي الدين بلا علم ولا برهان فيحللون ما ليس بحلال ويحرمون ما ليس بحرام ، ولا يقوم لذلك أحد ولا يتمعر لذلك وجه أحد ، والله إننا نخاف من العقوبة ، نحن في زمن صارت الفتوى فيه من الأمور التي لا سياج عليها ولا حافظ لها ، كتاب الصحف يفتون ، والأطباء الجهلة يفتون ، والعوام يفتون ، وكل يفتي ، والمسئول عن ذلك ولاة الأمر من العلماء والأمراء ، ولا يجوز لأحد أن يتدخل في عمل أحد ، والفتوى في بلادنا ولله الحمد لها جهتها الرسمية التي أقرها ولي الأمر فلابد ربط الناس بها ، وأن يوجه الناس أن لا يسألوا إلا أهل العلم المعروفين بالأمانة والعلم والرسوخ فيه والمهم الذي نريد إثباته هنا هو أن الفتوى باب من أبواب الدعوة إلى الله تعالى ، فلا بد فيها من العلم والبصيرة ، لأن المتقرر أن الدعوة مبناها على العلم والبصيرة لا على التخبط والهوى ، والله أعلم . ومنها :- الدعوة إلى الله تعالى بمجرد التجارب ، فإن بعض الناس قد يقع في الأمر المحرم زمنا طويلا ،ثم يتوب الله تعالى عليه ، ثم يقوم داعية في الناس بنشر تجربته ، وتحذير الناس من الوقوع فيما وقع فيه فما حكم هذا ؟ أقول :ــ هذا أمر طيب ، ولكن لا يجوز له تجاوز هذا الحد ، لأننا نرى من بعض الناس الذي يفعل ذلك قد تجاوز حده ، فصار يفتي وصار يوصف بأنه شيخ ، وصار مرجعا لبعض الشباب في أمور دينهم ، وصار معتمدهم عليه في أمورهم الخاصة ، وهولا نصيب له من العلم ، وإنما عنده هذه التجربة ، فنقلها للناس لأمر طيب ، ولكن بلا تجاوزات شرعية ، وعلى هذا الصنف من الناس أن يحرص على طلب العلم عند أهل العلم حتى يجمع بين التجربة والعلم المؤصل على الكتاب والسنة فهذا الصنف الذي عانى من المنكرات دهرا ثم تاب ، إن حرص على طلب العلم المؤصل على الكتاب والسنة فهذا الصنف من أنفع ما يكون للأمة ، وأما إن أراد أن يقف عند حدود تجربته ونقلها للناس فنحن نقول له :ــ لا حرج ، ولكن لابد وأن يكون ذلك في حدود هذه التجربة فقط ، وأما ما لست له بأهل فلا يجوز لك الولوج فيه ، لأن الدعوة مبناها على العلم والبصيرة لا على التخبط والهوى ، والله أعلم .والمقصود من ذلك أن يتقرر لديك بارك الله تعالى فيك هذه القاعدة وأما تتبع الفروع فيطول فالعلم أصل من أصول الدعوة إلى الله تعالى ، ولا بد من أن نعيد ونقول :- إن العلم المشروط في الدعوة هو أن تكون عالما بالمسألة التي تدعو لها ، ولا نعني بذلك أن يتوقف الإنسان عن الدعوة حتى يلم بالعلم ، فإن هذا أمر متعذر ، ولكن لا تدعو إلا بما تعلمه ، حتى ولو آية واحدة أو حديثا واحدا عرفته وتحققته أن تدعو به ، والله أعلم (1) رواه مسلم (2674) في العلم ، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة , أخرجه أحمد (2/397) والترمذي رقم (2676) في العلم ، باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو ضلالة ، وأبو داود رقم (4609) في السنة ، باب لزوم السنة ، والموطأ 1 / 218 في القرآن ، باب العمل في الدعاء . (1) حديث صحيح أخرجه البخاري 1/180 في العلم , وأخرجه مسلم رقم (2134) في الأدب , وأبو داود رقم (4965) فيه أيضاً . |