القاعدة الثامنة :- العلماء هم الدعاة .

القاعدة الثامنة :- العلماء هم الدعاة .

وهذا أمر لا شك فيه ، فإن الدعوة مفتقرة إلى العلم كما قلنا في بعض القواعد ، فلا يجوز الدعوة على الجهل ، بل الدعوة مبناها على العلم والبصيرة ، وعليه فأهل الدعوة هم أهل العلم بما يدعون له ،ولا نعني بقولنا ( العلماء ) أي من بلغ الرتبة الكبيرة في العلم ، وإنما نعني بهم من كان عالما بالأمر الذي يدعو له ، وعارفا به المعرفة الكاملة ، والعلم يتجزأ ، فلا يجوز لأحد أن يتكلم فيما لا يعلم ، بل الدعوة وقف على أهل العلم العارفين بما يدعون له ، فلا يحل لأحد أن يدعو الناس على الجهل ، أو يفتيهم على الجهل ، هذا أمر مغبته كبيرة ، وخطره لا يوصف ، والتفريق بين الدعوة والعلم من البدع المحدثة والأقوال المنكرة والمذاهب العفنة ، ومن مفرزات بعض الجماعات التي لا تريد الدعوة إلا على منهاج أهل البدع ، فإن العلم الصحيح عدو لهم في تحقيق مبتغاهم من الناس ، فأرادوا بمكرهم وكيدهم للأمة أن يفصلوا بين العلم والدعوة ، ويجعلوها تخصصا آخر لا شأن له بالعلم ، وهذا أمر منكر وفعل محرم  ولا ، ولن نوافقهم على ذلك ، بل العلماء هم الدعاة ، وهل كثرت البدع في العالم الإسلامي وتعددت المخالفات القولية والعملية وفتح باب الشرك والوثنية إلا بسبب تصدر الجهال للدعوة ، وهل عطلت صفات الرب جل وعلا إلا بتصدر الجهال للدعوة ، وهل تكلم في أهل العلم وقدح في جنابهم الكريم إلا لما تصدر الجهال منابر الدعوة إلى الله تعالى ، وهل كثر القيل والقال وانتشرت الفتن إلا لما تصدر الجهال للدعوة ، فالأمر خطير والعاقبة منه وخيمة ، ولا مخرج منه إلا بالرجوع إلى الأصل الأصيل وهو أن العلماء هم الدعاة ، فلا يحق لغير أهل العلم أن يتكلم في الدعوة إلى الله تعالى ،لأن مبناها على العلم والبصيرة ، وأهل العلم هم العارفون بها ، وحيث قصرنا الدعوة على أهل العلم فنعني بهم علماء الكتاب والسنة ، من الذين أخذوا العلم على منهج سلف الأمة ، فلا حق لأهل الجهل البسيط ولا الجهل المركب أن يمتطوا صهوة منبر الدعوة ، والواجب على ولي الأمر منعهم من مخاطبة الناس في العلم والدعوة ، بل قد قرر الفقهاء رحمهم الله تعالى أنه يجب الحجر على السفيه الذي يتكلم في العلم بما لا يعرف ويهذي في المسائل بالتخريف والهذيان ، وقد كان لأهل الكلام اليوناني المذموم دورهم في إفساد علوم الأمة ، فأدخلوا على علوم الأمة القواعد الكلامية الفلسفية المنطقية التي تخالف المنقول وتناقض المعقول ، وحرفوا بسببها نصوص الوعد والوعيد والصفات وتكلم في ذات الرب جل وعلا ، فانقسمت الأمة إلى أحزاب وفرق وطوائف كثيرة بسبب تصدر الجهال منبر الدعوة حقبة من الزمان ليست باليسيرة وكان للصوفية وعلمائها الدور الكبير في انتشار الشرك بتعظيم القبور والتبرك بترابها وإحياء الموالد الجاهلية المخالفة لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، فهل بنيت القباب على القبور وطيف بها وذبح لها واستغيث بها من دون الله تعالى إلا بسبب تصدر الجهال للدعوة ، وكذلك كان لدعاة الروافض الدور الكبير في تشويه صورة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسبهم والقدح فيهم وتكفيرهم على العموم إلا نفرا يسيرا ، وتعظيم آل البيت التعظيم المفضي إلى الشرك بالله تعالى ، وما ذلك إلا بسبب تصدرهم للدعوة وهم أهل الجهل والحماقة وقلة الأدب على سادة الأمة وعلمائها ، وكذلك كان للخوارج دورهم الكبير في الخروج على الأمة وسفك دمائها واستحلال ديارها وأعراضها ، ولا نزال نعايش تلك الآثار السيئة إلى اليوم، وما ذلك إلا بسبب تصدهم للدعوة وهم أهل الجهل وسوء الفهم والطيش والنزق ، والأمثلة كثيرة ، ولا حل لهذه المعضلات ولا مخرج من تلك البلايا إلا بتقرير هذه القاعدة ، وهي أن العلماء من أهل السنة والجماعة هم الدعاة في الحقيقة ، ولا صلاح لهذا العالم إلا إذا كان يصدر عن علماء أهل السنة رحم الله تعالى أمواتهم وثبت أحياءهم ، فالخير كل الخير في تنصيب علماء أهل السنة والدفاع عنهم وتمكينهم من تعليم الناس ، والشر كل الشر في تقريب علماء البدعة ورفع شأنهم وفتح الباب لهم على مصراعيه لمخاطبة الناس ، فالعلماء هم الدعاة إلى الله تعالى على بصيرة وهدى ، وأما غيرهم فإنه لا يزداد الناس بتنصيبه للدعوة إلا العماية والجهالة والضلال ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى لا ينتزع العلم انتزاعا من قلوب الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما ، اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " متفق عليه ، قال الشيخ ناصر العقل حفظه الله تعالى وهو يبين الأوجه الدالة على حصر الدعوة في أهل العلم العارفين بالكتاب والسنة والمنتهجين لمنهج أهل السنة والجماعة قال حفظه الله تعالى ( فعلى هذا فالعلماء بهذا التعريف: هم الدعاة بداهة، والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء هم الدعاة، فأجدر من يتصدر الدعوة بعد الأنبياء- وقد انقضت النبوة وانتهت-: هم العلماء وذلك:

أولا: لأنهم ورثتهم. والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، إنما ورثوا هذا العلم. والدعوة إنما تكون بالعلم فأهل العلم هم الدعاة.

ثانيا: العلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية بفقهه وبعلمه وبقدوته، فعلى هذا، فالعلماء هم أجدر الناس بالدعوة.

ثالثا: العلماء هم أهل الحل والعقد في الأمة، وهم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم، كما قال غير واحد من السلف في تفسير قوله تعالى ] أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [ قال مجاهد: هم أولوا العلم والفقه وإذا كانوا هم أولوا الأمر فولايتهم للدعوة من باب أولى.

رابعا: العلماء هم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى ، على دينها ، وعلى دنياها وأمنها ؛ ومن باب أولى أن يكونوا هم المؤتمنون على الدعوة وشؤونها.

خامسا: العلماء هم أهل الشورى الذين ترجع إليهم الأمة في جميع شئونها ومصالحها. وإذا كانوا يستشارون في جميع مصالح الأمة- في دينها ودنياها- فمن باب أولى أن يكونوا هم أهل الشورى في الدعوة وقيادتها.

سادسا: العلماء هم أئمة الدين، والإمامة في الدين فضل عظيم، وشرف ومنزلة رفيعة، كما قال تعالى ]وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[ والإمامة في الدين تقتضي بالضرورة الإمامة في الدعوة. وما الدين إلا بالدعوة، وما الدعوة إلا بالدين..

سابعا: العلماء هم أهل الذكر، والذكر بالعلم والدعوة، كما قال تعالى ] فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [ فعلى هذا هم أهل الدعوة إلى الله تعالى.

ثامنا: العلماء أفضل الناس كما قال تعالى ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ وأفضل الناس هو الداعي إلى الله.

تاسعا: العلماء هم أزكى الناس، وأخشاهم لله، كما قال تعالى ] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [ وإذا كانوا هم كذلك، فهم الأجدر أن يكونوا هم الدعاة على هذه الصفات، وهم الأجدر أن يكونوا هم القادة والرواد في الدعوة.

عاشرا: العلماء هم الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر بالعلم والحكمة، إذا فالعلماء هم الدعاة.

الحادي عشر: العلماء هم شهداء الله الذين أشهدهم الله على توحيده، وقرن شهادتهم بشهادته سبحانه وبشهادة ملائكته؟ وفي هذا تزكيتهم وتعديلهم، فقال تعالى ] شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ [ ومن كانوا كذلك فهم المؤتمنون على الدعوة، وهم ا لأَوْلَى بقيادتها وريادتها.

هذا على وجه العموم ، فالعلماء هم أهل هذه الخصال. ولا يلزم أن تتوفر كل هذه الخصال في كل عالم، فالكمال لا يكون إلا لله سبحانه لكنهم في الجملة- أي العلماء- لاشك أنهم المتميزون بهذه الصفات الجديرون بها )ا.هــ .كلامه حفظه الله تعالى ، وما قاله هنا هو ما ندين الله تعالى به ونثبته لأهل العلم رحم الله تعالى أمواتهم وثبت أحياءهم على الحق والعمل به والدعوة إليه ، والمقصود هنا هو أنه لا صلاح لأمور الدعوة ولا لأمور الناس إلا إذا تولى الدعوة أهل العلم ، غفر الله لهم ، فلا تزال الدعوة والأمة بخير ما تولاها العلماء ، ولكن متى ما اختل الأمر وتوسع الباب حتى يدخل فيه من ليس من أهله فناهيك عن الفساد الكثير والأزمة المتفاقمة والفتن المتعاقبة ، نسأل الله تعالى أن يجنبنا وأمتنا كل داعية وسوء وبلاء إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والله أعلى وأعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان