القاعدة الثانية والعشرون :- كل قبيح في الشرع نهى عنه الداعية فلا بد من دلالة الناس على ما يضاده من الأمور الحسنة المشروع

القاعدة الثانية والعشرون :- كل قبيح في الشرع نهى عنه الداعية فلا بد من دلالة الناس على ما يضاده من الأمور الحسنة المشروعة .

أقول :-  هذه القاعدة كبيرة ، وهي من أصول الدعوة إلى الله تعالى ، وبيانها أن يقال :- إن الناس إن لم يشتغلوا بالحق اشتغلوا بالباطل ، فحتى يتم التوازن فلا بد عند نهي الناس عن الحرام الممنوع ، أن يبين لهم البديل والطريق الصحيح الجائز المشروع ، فلا يكتفي الداعية أن يمنع الناس فقط ، بل لا بد وأن يبين لهم البدائل المشروعة ، وهذا فيه أمان من عودة الناس إلى الباطل ، لأن وقتهم قد شغل بالحق، وقد اهتم الشارع بهذه المسألة ، فقد حرم تعالى الربا وأحل البيع فقال ] وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [ وحرم قول راعنا وأمر بقول انظرنا ، فقال تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا [ فلم يكتف بمجرد التحريم حتى شرع لهم بديلا عن القول الممنوع ، ومنع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار من الاحتفال بيومين كانت من أيام الجاهلية ، وقال " قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى " والحديث في الصحيح(1) ، ومنعهم من زيارة القبور البدعية ورغبهم في الزيارة الشرعية ، ومنع من السلام ابتداء على أهل الكتاب ، ولكنه شرع تحيتهم بقول ( السلام على من اتبع الهدى ) ونهى الله تعالى الأعراب بعد دخولهم في الإسلام مباشرة أن يقولوا :- آمنا ، وأمرهم بأن يقولوا أسلمنا ، ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه :-كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة قلنا : السلام على اللَّهِ من عباده ، السلام على فلان وفلان ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا تقولوا السلام على اللَّهِ ؛ فإن اللَّهِ هو السلام ، ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّهِ وبركاته ..."(2) فنهى عن القول الممنوع وأبدلهم بالقول المشروع ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان , ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان "(3) وعن الحسن ، أن عقيل بن أبي طالب ، تزوج امرأة من بني هاشم فدخل عليه القوم ، فقال « ألا ترفئونني » ، فجعلوا يقولون : بالرفاء والبنين . فقال : لا تقولوا هكذا ولكن قولوا : " بارك الله لكم ، بارك عليكم " إنا كنا نؤمر بذلك ... وقال عليه الصلاة والسلام " لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد ، ولكن قولوا : ما شاء الله وحده "(4) ونهاهم عن قول ( والكعبة ) وأبدلهم بقول (ورب الكعبة) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :- أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اضربوه " قال فمنا الضارب بيده ومنا الضارب بنعله ومنا الضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا هكذا ولا تعينوا الشيطان عليه ولكن قولوا رحمك الله "(1) ونهى أحدنا أن يقول : خبثت نفسي ، ولكن يقول :- لقست نفسي ، وفي سنن أبي داود "لا يقولَنَّ أحدكم الكرم. فإن الكرم : الرجل المسلم، ولكن قولوا : حدائق الأعناب"(2) وعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يقل أحدكم عبدي أمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله وليقل:- غلامي ، جاريتي ، وفتاي ، وفتاتي "(3) ونهاهم عن تلبية الكفار بقول ( إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ) فأهل النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد  فقال " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " ونهى عن السفاح وشرع النكاح ، وهكذا في أدلة كثيرة تفيد صحة هذه القاعدة ولله الحمد والمنة  فليست وظيفة الداعية تنتهي عند النعي عن الفعل القبيح ، بل لا بد له من أن يبين للناس البديل الشرعي عنه ، والذي يصرف قلوبهم عن هذا الأمر القبيح ، فمثلا :- إن نهينا الناس عن اقتناء القنوات الفضائية فإننا نبين لهم أن هناك قنوات طيبة إسلامية ، تغني عن هذه القنوات الهابطة الفاسدة ، هناك قنوات قامت على نصر السنة وبيان الشريعة وتصحيح العقيدة ، وفيها البركة والخير والهداية والكفاية عن القنوات التالفة فأخرج هذه القنوات الهابطة وأدخل القنوات الطيبة النافعة ، وإن نهينا الناس عن السماع المحرم الممنوع من السماع الصوفي البدعي ، وعن سماع الغناء التافه الذي يثير نزعات الشهوة ومواقعة الحرام ، فإننا نبين للناس أن هناك نوعا من السماع الرحماني الهادف الجميل العذب الطيب وهو سماع كلام الله تعالى والتلذذ به ، أعني به القرآن الإقبال على كتاب الله تعالى قراءة وسماعا وتدبرا وحفظا واستنباطا لفوائده وعملا بأحكامه واتعاظا بحكمه وقصصه وأخباره ، فإن سماع كلام الله تعالى هو راحة القلوب واطمئنان النفوس ، وانشراح الصدور ، وهو الغذاء الحقيقي للروح ، وهو الهدى والنور والحق والبيان والتذكرة والفرقان والشفاء ، فلا نكتفي بمنع الناس من الحرام ، بل لا بد من بيان ما يغنيهم عن مواقعة الحرام من البدائل الشرعية ، وإن نهينا الناس عن السفر في السياحة إلى بلاد الكفر والإباحية فإننا مع بيان كبير الخطر من هذه السفرات المحرمة التي لا يجنى من ورائها إلا كل قبيح ، لا بد وأن نبين للناس أن هناك من الأماكن السياحية الطيبة المأمونة ما يغني عن هذه السفرات الآثمة ، وأعظمها السياحة الدينية في السفر إلى الأماكن المقدسة من مكة والمدينة ، أو بعض المناطق الجميلة في مناظرها ولكن لا منكرات تظهر فيها علنا ، كما هو الحال في بلادنا المملكة العربية السعودية ، فإن بلادنا ولله الحمد والمنة تزخر بالمواقع الطيبة ذات المناظر الجميلة التي تكفي وتروي ظمأ القلب في هذا الجانب ، مع أن المتعة الحقيقة  الكاملة لا ولن توجد في هذه الحياة الدنيا ، بل لا توجد إلا في جنة عرضها السموات والأرض ، فكمال المتعة هناك ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهلها ، فإن من أقبل على الفكرة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما ورد فيهما من صفات الجنة وعظيم النعيم المقيم واللذة الأبدية والراحة الكاملة فيها وما فيها من أصناف الحبور والسعادة ، فإن مناظر الدنيا كلها عن بكرة أبيها لتكون في عينه أحقر من البعوضة ، ولا يملأ قلبه إلا دخول هذه الدار الطيبة ، نسأل الله تعالى باسمه الأعظم أن لا يحرمنا من دخولها ، نعم ، من تفكر في الجنة ونعيمها فبالله عليك ماذا تكون الدنيا ونعيمها عنده ؟ لا شيء ، فإن نعيم الدنيا مشوب بالكدر والتنغيص والآلام ، وأما نعيم الجنة فهو النعيم الكامل والراحة التامة والحبور والسعادة الأبدية ، لا فقر فيها ، ولا أمراض ولا ديون ، ولا موت ولا مطالبات بالحقوق ولا خسارة ولا حروب ولا سفك دماء ، ولا كوارث من زلازل أو براكين أو فيضانات أو حوادث ، بل لا حزن فيها أصلا ، كما قال تعالى ]وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ[ والمقصود أن البديل الشرعي موجود ولله الحمد والمنة ، بل إن الناس لم ينشغلوا بالحرام إلا لما أهملوا البديل الشرعي ، ولا تظن أخي الداعية أن تنبيه الناس إلى البدائل الشرعية من فضول الدعوة ، لا بل هو من جملة أصولها التي لابد من بيانها ، وإن نهينا الناس قراءة الروايات الهابطة والتي تفسد ولا تصلح وتهدم ولا تبني ، وتؤخر ولا تقدم ، فإننا نبين لهم أن المكتبة الإسلامية تزخر ولله الحمد بالكتب القصصية الرائعة ، سواء ما كان منها في سيرة أعظم نبي صلى الله عليه وسلم ، أو ما كان منها في سيرة أصحابه الكرام ، أو ما كان منها في سيرة أئمة الهدى ، رحمهم الله تعالى ، أو ما كان منها في بيان الأحكام التي جاءت بها الشريعة حتى يعبد العبد ربه على بصيرة ، والمهم أن البديل موجود ، فمن استجاب فالحمد لله تعالى وهذا هو المطلوب ، ومن لم يستجب فالحجة قائمة عليه والذمة برئت من عهدته في بيان الحق له ، والله تعالى له الأمر من قبل ومن بعد ، وأمر هداية القلوب لله تعالى وحده لا شريك له ، وإن نهينا النساء عن الدخول في الأسواق العامة التي يحصل فيها الاختلاط بين الرجال والنساء ، فإننا نبين لهم أن هناك في البلد ولله الحمد والمنة أسواق خاصة بالنساء ، وفيها ما لا يوجد أحيانا في الأسواق العامة ، وإن نهيناهن عن الذهاب للمستشفيات العامة المختلطة ، أو المستوصفات المختلطة فإن بلادنا ولله الحمد فيها من المستشفيات والمستوصفات الخاصة بالنساء ما يعرفه الجميع والله تعالى وسع علينا بوجود هذه البدائل الشرعية ولله الحمد والمنة ، ولكن من الناس من لا يريد إلا الحرام والمخالفة ، وهذا لا شأن لنا به ، كما قال تعالى عن نوح أنه قال لقومه ] وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ وهذا الصنف موجود في الناس ، ولا تحسب أخي الداعية أنك مع بيان البدائل الشرعية أنك ستقابل بالترحيب من بعض النفوس الفاسدة ، والمهم أن عليك بيان الحق وإلا فمن الناس من يقول الله تعالى فيه ] وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [ وهذا يصدق على من يرى طريق الحق ولا يمنعه من سلوكه إلا العناد والمكابرة ومحبة مواقعة الحرام ، فيقول له أهل الحق :- هلم إلى طريق الحق ، فيقول :- لا ،  ويقول له شياطين الإنس والجن :- هلم إلى طريق الباطل ، فيقول :- على الرحب والسعة ، وهذا أمره إلى الله تعالى ، فهو ربه وله مرجعه وعليه حسابه ، وهو أعلم وأبصر به ، والمهم أن من الأمور المطلوبة من الداعية مع نهي الناس عن الحرام ، أن يبين لهم البديل الشرعي ، وكذلك إن نهينا بعض الناس عن الاحتفالات البدعية المنكرة لبعض الموالد أو المشاركة في احتفالات النصارى في أعيادهم الكفرية الوثنية ، فإننا مع بيان الخطر والمخالفة العقدية في هذه المشاركة ، لا بد وأن نبين لهم أن الله تعالى قد أبدلنا ما هو خير وأنفع وأصلح لنا في العاجل والآجل ، وهو يوم الفطر ويوم الأضحى ، فهي الأعياد المشروعية لنا نحن أهل الإسلام وما عداها فهو من المنكرات القبيحة ومن البدع المحدثة في الدين ، وكل إحداث في الدين فهو رد ، وإن نهينا الناس عن السفر للتعلم إلى بلاد الكفار ، فإننا نبين لهم أن بلاد المسلمين ولله الحمد تزخر بالجامعات العالمية الكبيرة والتي تشتمل على كل التخصصات التي يحتاج لها الناس في موضوع حياتهم سواء أكان منها الجانب الشرعي ، أو الجانب الأمني ، أو الجانب التعليمي أو الصحي أو غيرها من سائر التخصصات ، فما الحاجة إلى السفر للبلاد الكافرة ، وما الحاجة إلى بعث أولاد المسلمين إلى البلاد التي تخالفهم في عقيدتهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم ، أفلا نعتبر ببعض من ذهب لتلك البلاد ورجع إلى بلاده متنكرا على عقيدته وأخلاقه ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، والمهم أن بلادنا فيها من الجامعات والكليات ما يغني عن الذهاب إلى بلاد الكفر وما الذي تفوق علينا فيه الكفار حتى نضطر إلى الذهاب لهم ؟ ولكنه الجهل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ولعل ما أريد إثباته في هذه القاعدة الطيبة قد وصل لك إن شاء الله تعالى والخلاصة أن الداعية عليه مع بيان الأمر القبيح ، أن يبين للناس المخارج والبدائل الشرعية ، مع أنني جلست متفكرا في كلمة البدائل الشرعية ردحا من الزمان أهي كما ينبغي أم فيها هضم للشرع ؟ وذلك لأن الأمر المشروع هو الأصل في المسلم ابتداء ، ولكنه استعاض عنه بسبب غلبة الجهل والشهوة بالأمر المحرم ، فنحن إن رددناه إلى الأمر المشروع فإننا لا نكون بذلك قد نقلناه إلى البديل ، بل نكون قد نقلناه من البديل المحرم إلى الأصل المشروع ، فالأمور المشروعة هي الأصل ، وهي المطلوبة من المسلم في دينه وشريعته ، ولكن الأمر خفيف ، وذلك لأن من قرر هذه القاعدة ، لم يلحظ إلا أن الناس قد تعودوا على فعل الحرام ، حتى صار كأنه هو الأصل عندهم ، فأراد أن ينقلهم مما يعتقدون أنه الأصل إلى بديل عنه ، فسمى ما انتقلوا له البدائل الشرعية والله ربنا أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .

 

(1) رواه أبو داود رقم (1134) في الصلاة ، باب صلاة العيدين ، والنسائي 3 / 179 في العيدين ، باب صلاة العيدين ، وأخرجه الإمام أحمد (3/103) وإسناده صحيح.

(2) حديث صحيح , رواه البخاري في صفة الصلاة  2 / 257 - 261, ومسلم في الصلاة رقم (402) وأبو داود في الصلاة رقم (968) والترمذي في الصلاة رقم (289)  والنسائي في الافتتاح 2 / 237 في الافتتاح , ورواه أحمد برقم (1/382)

(3) أخرجه أبو داود رقم (4980) في الأدب , وأحمد (5/384) والنسائي في عمل اليوم والليلة (985) وإسناده صحيح .

(4)  حديث صحيح , أخرجه الإمام أحمد (20694) والبيهقي في دلائل النبوة 7/22,  والدارمي (2699) والبخاري معلقاً في "التاريخ الكبير" 4/363-364 , و وابن ماجه (2118) .

(1) حديث صحيح , أخرجه البخاري 12 / 71 في الحدود ، باب ما يكره من لعن شارب الخمر، و باب الضرب بالجريد والنعال ، وأبو داود رقم (4477) في الحدود وأحمد (2/299) والنسائي في تحفة الأشراف (10/14999)

(2) حديث صحيح , رواه أبو داود رقم (4974) في الأدب ، باب في الكرم وحفظ المنطق , ورواه البخاري ومسلم ومالك بروايات أخرى

(3) حديث صحيح , رواه البخاري 5 / 129 - 131 في العتق ، باب كراهية التطاول على الرقيق ، ومسلم رقم (2249) في الألفاظ , وأبو داود رقم (4975) في الأدب  أحمد (2/423) واللفظ الوارد هي برواية مسلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان