القاعدة السابعة والعشرون :- التنويع في الطرح والتجديد في الأساليب مهم في قبول الدعوة .

القاعدة السابعة والعشرون :- التنويع في الطرح والتجديد في الأساليب مهم في قبول الدعوة .

أقول :- لما قررنا في القاعدة السابقة أن وسائل الدعوة منها ما هو مقبول لعدم مخالفته لشيء من الأدلة ومنها ما هو مردود لمخالفته بعض الأدلة ، أتينا بهذه القاعدة حتى نبين أن من الأسباب التي توجب قبول الدعوة هو تنويع الأساليب ، والتنويع في الطرح ، فإنه في الأعم الأغلب أن النفوس تمل من الطريقة الواحدة ، وأنها مفطورة على حب التغيير والتجديد ، ولذلك فقد راعت الشريعة هذا الجانب في أنها في بعض العبادات قد نوعت في صفاتها ، كصفات الوضوء والوتر والحج والأذكار وغيرها كثير ، بل إن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة فإنها تفعل على جميع وجوهها في أوقات مختلفة ، فالتنويع في الوسائل الدعوية أمر مهم ومطلوب لنجاح الدعوة ، بل إنك لو تدبرت كتاب الله تعالى لوجدت أن الله تعالى قد نوع في الأساليب الدعوية ، فتجد فيه الدعوة بالترغيب والدعوة بالترهيب ، والدعوة بطرح السؤال ، والدعوة بضرب المثال ، والدعوة بذكر الآثار المترتبة على الفعل ، والدعوة بالقصة ، وغيرها من الوسائل الدعوية ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوته ليس على وتيرة واحدة ، بل كان يغير الطرح وينوع في الأسلوب ، والسيرة حافلة بهذه الأساليب التي تحبها النفوس ، ولا تمل منها القلوب ، فدعا الناس بالقول والفعل وقضاء الحوائج والابتسامة واحترام الذوات وبالمدح المعتدل ، وبالعفو عن المخطئ ، وبضرب المثال ، وطرح السؤال ، وبالجهاد في سبيل الله تعالى وبالترغيب وبالترهيب ، والصور في ذلك كثيرة لا تكاد تحصر ، فالنفوس لا تحب الأمر الواحد ، بل هي تحب التجديد والتغيير ، فإن كان لا يتنافى مع شيء من دليل الشرع فلا حرج فيه ، بل هو المطلوب وهو من جملة الأسباب التي يوفق بها الداعية إلى الاستجابة والقبول ، وقد جربنا هذا الأمر في الدعوة فوجدنا آثاره طيبة ولله الحمد والمنة ، ونضرب لك بعض الأمثلة على ذلك حتى تكون على دراية مما نريد فأقول :-

منها :- عقد المسابقات في الأمور الهادفة ، والتي لا يراد منها إلا دلالة الناس على الخير وترغيبهم في مراجعة العلم وقراءة الأمر النافع ، وقد حصل بهذه المسابقات الخير الكثير ، ولكن لا بد من مراعاة أن لا يكون مبناها على العوض من الطرفين ، فالمسابقة في المسائل العلمية التي يحتاجها الناس من التنويع في طرح العلم ، ومن الأساليب النافعة والتي بانت آثارها الطيبة ، والله أعلم .

ومنها :- إقامة الدورات المكثفة في العطل الرسمية ، فهذا الأمر قد استفاد منه طوائف من طلبة العلم لا يحصيهم إلا الله تعالى ، وفيه من عمارة الأوقات بالعلم وحفظ الوقت من الضياع واستغلاله بالأمر المفيد ما قد بانت نتائجه على كثير من الطلبة ولله الحمد والمنة .

ومنها :- تغيير روتين الدروس الذي عشعش عليها ، وأنا أعرف بعض المشايخ ربما خرج بطلابه إلى البرية في يوم الدرس لإلقاء الدرس عليهم هناك ، فيجد في هذا الدرس من النفع والقبول ما لا يجده في الدرس المعتاد على الطريقة المعهودة ، وبعض المعلمين في المدارس قد يغير مكان درسه من الفصل إلى المسجد في المدرسة مثلا أو في المكتبة ، أو في مكان آخر ، فتكون أذهان الطلاب معه ، ويستفيدون من هذا الدرس الشيء الكثير ، فهذا التنويع في الطرح أمر مهم في جذب القلوب وحفز الهمم ، بل وأذكر مدرسا لنا في المرحلة الثانوية كان يطلب من بعض الطلاب تحضير الدرس وإلقائه هو بنفسه على زملائه الطلبة ، ثم يقوم المدرس بسد الثغرات وإكمال الدرس وبعض التعليق على شرح الطالب ،وكان يفعلها في الفصل الدراسي أكثر من مرة ، فكان لها من الوقع في نفوسنا ما لا يوصف ، حتى حببنا هذا الأستاذ في مادته ، وجعلنا نتابع معه أولا بأول ، لا وأذكر أن بعض الطلاب يدخل إلى قاعدة الاختبار في هذه المادة من غير سبق مراجعة ولا مذاكرة ،لأنها حاضرة في ذهنه ، لوعة هذا التجديد والتنويع في الطرح ، بينما قد أدخل حصتي وأجد أغلب الطلبة نائما من حصة من قبلي ، لرتابة الأسلوب ورفض التجديد ، وفي الحقيقة أن ديننا المطهر لا يعارض التجديد في الطرح، ولا تنويع الأساليب ، ولكن لا بأمر يخالف النص الصحيح الصريح ، بل لا بد وأن يكون هذا التنويع في دائرة الموافقة للنصوص ، لا يخرج عنها إلى المخالفة والمعارضة ، فانتبه لهذا ، وإننا قد ابتلينا في هذه الأزمنة بأناس يحاربون التجديد والتغيير ، ويلزمون الناس بالأمر القديم ، وكما قيل :- مكانك راوح ، وكم تقريرا رفعناه عن بعض المناهج وأنها لا تتناسب مع معطيات العصر ولا فهم الطلاب في هذا الزمان ، واقترحنا صياغتها هي بعينها بنفس معلوماتها ، ولكن بالأسلوب المفهوم والأمثلة الجديدة المعاصرة , ولكن قوبل طلبنا بالتجاهل أو الرفض الصريح أحيانا ، وقد اقترح بعض الدعاة إلى الله تعالى على بعض الجهات الرسمية إخراج ما يخصها من الكتب والمؤلفات في أشرطة كمبيوتر  ممغنظة حتى يستفيد منها أكثر عدد ممكن ولكن لم يلق اقتراحه قلوبا محبة للتجديد والتنويع ، وهذا أمر لا بد من مناقشته ، وكشف الشبهة عند المانعين منه ، وأن تصحح بعض المفاهيم في هذه المسألة ،وهي أننا والله العظيم لا نريد نسف شيء من موروث الأمة من العلم النافع والعمل الصالح ، ولكننا نريد أن نبحث عن الطريق الأمثل الذي نستطيع من خلاله أن نوصل ما في هذا الموروث إلى العامة ، فلا داعي لهذا التشديد الذي ما أنزل الله تعالى به من سلطان ، أو ننسب في طلب التجديد والتغيير إلى أمور نحن لم  نقصدها ولم تدر في بالنا ، فالأمر الذي نعنيه هنا في هذه القاعدة هو التغيير في وسائل طرح الدعوة كما نوع القرآن وسائل الطرح ،  وكما كانت الحال عليه في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نقصد التغيير الباطل الممنوع ، مما ينادي به بعض الطوائف الضالة ، فنحن بهذا القول سلكنا منهج الوسطية ، فلا نمنع التغيير والتجديد في الوسائل مطلقا ، ولا نقول به مطلقا ، بل نقول به في دائرة ما وافق الدليل ، لا فيما خالف النص ، والله أعلم وقد سلكت في التأليف ولله الحمد والمنة مسلك التنويع في طرح المسائل العلمية ، فقد طرقت المعلومة بالنثر تارة ، وبالسؤال والجواب تارة ، وبالشعر تارة ، وبالتأصيل والتقعيد تارة أخرى ، وهذا من توفيق الله تعالى ، واستمع لما قاله الله تعالى عن نوح عليه السلام أن قال ] رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا [ وهذا هو التنويع الذي نعنيه ، والمقصود أن كل تغيير في الطرح وكل تجديد في الأساليب الدعوية لا يتعارض مع شيء من النصوص الشرعية فهو من قبيل ما لا حرج فيه ، فالبرامج الدعوية إذا كانت على نمط واحد فإن المدعو قد يمل، لذا لا بد من تقديم البرامج المتنوعة، إذا كانت البرامج متنوعة تشد انتباه المستمعين وتترك أثرًا عميقًا في قلوبهم ومن ثمّ على سلوكهم والله من وراء القصد ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان