القاعدة الرابعة والثلاثون :- فقه فن التعامل مع نفوس المدعوين مقرب ومحقق لمقصود الدعوة.

القاعدة الرابعة والثلاثون :- فقه فن التعامل مع نفوس المدعوين مقرب ومحقق لمقصود الدعوة.

أقول :- إن الله تعالى لما خلق البشرية جعل لها مفاتيح ، وجعل على قلوبها أقفالا ، فمن وفقه الله تعالى من الدعاة لمعرفة مفاتيح القلوب فقد أوتي خيرا كثيرا ، وهذه النفوس التي فينا لها فن للتعامل معها, فمن فقهه فإن النفوس ستسلم له زمام قيادها في الأعم الأغلب ، وفهم هذا الفن ، من مهمات الدعوة إلى الله تعالى ، ومنه ما يكون سجية في الداعية قد فطره الله تعالى عليه ، ولكن منه ما لا يتحقق إلا بالتعلم والتطبيق والصبر والمجاهدة وتعويد النفوس عليه ، ونحن في زماننا هذا ولله الحمد والمنة ، قد كثرت فيه الدورات التثقيفية والتي تخص كيفية التعامل مع هذه النفوس ، فالنفوس الصعبة لها مفاتيحها ، والنفوس المعاندة لها مفاتيحها ، ونفوس الكبراء والأغنياء لها مفاتيحها ، ونفوس الفقراء لها مفاتيحها ، وهكذا وهذا يحتاج إلى خبرة ودربة وفهم لحياة الناس وواقعهم ، وهذه الدورات المنتشرة هنا وهناك لها دورها الكبير في تعريف الداعية لأوضاع النفوس وأحوال القلوب وما يصلح لها من التعامل وما لا يصلح  فمعرفة فن التعامل مع هذه النفوس من الأسباب التي توجب قبول الدعوة وله من الثمرات الزكية والعوائد الطيبة على الداعية والمدعو ما لا يحيط بوصفه القلم ، وإننا لا نعرف أحدا من الدعاة فقه هذا الفن كما فقهه نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسلفنا الصالح ، فهم أكمل الدعاة وأكمل الناصحين ، وأكمل من حقق الدرجة العليا في فقه التعامل مع النفوس على مختلف ألوانها وتباين منازلها  وإن دراسة السيرة والنظر في تاريخ هؤلاء العظماء لكفيل بأن يزرع في قلبك - إن كنت ذا فهم - هذه المسألة المهمة في الدعوة ، وليس الغرب ما يتقن هذا ، بل نحن المسلمين أصل الأصول في هذا الباب فالنفوس والأرواح لها مفاتيح ، وهذه المفاتيح لا تعرف إلا بمعرفة الطريق الموصل لهذه النفوس ، وهذه الطريق هي التي نعنيها بقولنا ( فن التعامل مع النفوس ) فليس المراد وصول العلم إلى أذن المدعو فقط بل لا بد من السعي الحثيث في معرفة الأمور التي تفتح قلبه ، حتى تنفذ فيه الدعوة إلى الله تعالى ، وحتى يكون ذلك أدعى للقبول ، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى جملا من تلك الفنون الجميلة والتي صار لها بالتجربة عظيم الأثر في قلوب المدعوين ، ولها من الأدلة الشرعية ما يثبتها ، فبالنظر إلى مجموع الأدلة في هذه المسألة وجدنا أن هناك أصولا في فن التعامل مع النفوس ، وذلك في عدة أمور :- 

 الأول :- كما ترغب في أن تكون متحدثاً جيداً .. عليك بالمقابل أن تجيد فن الإصغاء لمن يحدثك .. فمقاطعتك له تضيع أفكاره وتفقده السيطرة على حديثه .. وبالتالي تجعله يشعر بالحرج منك ويستصغر نفسه وبالتالي يتجنب الاختلاط بك .. بينما إصغائك إليه يعطيه الثقة ويحسسه بأهميته وأهمية حديثه عندك .

الثاني :- حاول أن تنتقي كلماتك .. فكل مصطلح تجد له الكثير من المرادفات فاختر أجملها .. كما عليك أن تختار موضوعاً محبباً للحديث .. وأن تبتعد عما ينفر الناس من المواضيع .. فحديثك دليل شخصيتك .

الثالث :- حاول أن تبدو مبتسماً هاشاً باشاً دائماً .. فهذا يجعلك مقبولاً لدى الناس حتى ممن لم يعرفوك جيداً .. فالابتسامة تعرف طريقها إلى القلب.

الرابع :- حاول أن تركز على الأشياء الجميلة فيمن تتعامل معه .. وتبرزها فلكل منا عيوب ومزايا .. وإن أردت التحدث عن عيوب شخص فلا تجابهه بها ولكن حاول أن تعرضها له بطريقة لبقة وغير مباشرة كأن تتحدث عنها في إنسان آخر من خيالك .. فهو حتماً سيقيسها على نفسه وسيتجنبها معك .

الخامس :- حاول أن تكون متعاوناً مع الآخرين في حدود مقدرتك .. ولكن عندما يطلب منك ذلك حتى تبتعد عن الفضول ، وعليك أن تبتعد عن إعطاء الأوامر للآخرين فهو سلوك منفر .

السادس :- حاول أن تقلل من المزاح .. فكثرته تحط من القدر، والمزاح ليس مقبولاً عند كل الناس .. وقد يكون مزاحك ثقيلاً فتفقد من خلاله من تحب .. وعليك اختيار الوقت المناسب لذلك .

السابع :- حاول أن تكون واضحاً في تعاملك .. وابتعد عن التلون والظهور بأكثر من وجه .. فمهما بلغ نجاحك فسيأتي عليك يوم وتتكشف أقنعتك .. وتصبح حينئذٍ كمن يبني بيتاً يعلم أنه سيهدم .

الثامن :- ابتعد عن التكلف بالكلام والتصرفات .. ودعك على طبيعتك مع الحرص على عدم فقدان الاتزان .. وفكر بما تقوله قبل أن تنطق به .

التاسع :- لا تحاول الادعاء بما ليس لديك .. فقد توضع في موقف لا تحسد عليه .. ولا تخجل من وضعك حتى لو لم يكن بمستوى وضع غيرك فهذا ليس عيباً .. ولكن العيب عندما تلبس ثوباً ليس ثوبك ولا يناسبك .

العاشر :- اختر الأوقات المناسبة للزيارة .. ولا تكثرها .. وحاول أن تكون بدعوة .. وإن قمت بزيارة أحد فحاول أن تكون خفيفاً لطيفاً .. فقد يكون لدى مضيفك أعمال وواجبات يخجل أن يصرح لك بها ، ووجودك يمنعه من إنجازها .فيجعلك تبدو في نظره ثقيلاً .

الحادي عشر :- لا تكن لحوحاً في طلب حاجتك .. ولا تحاول إحراج من تطلب إليه قضاؤها .. وحاول أن تبدي له أنك تعذره في حالة عدم تنفيذها وأنها لن تؤثر على العلاقة بينكما.. كما يجب عليك أن تحرص على تواصلك مع من قضوا حاجتك حتى لا تجعلهم يعتقدون أن مصاحبتك لهم لأجل مصلحة .

الثاني عشر :- حافظ على مواعيدك مع الناس واحترمها .. فاحترامك لها معهم .. سيكون من احترامك لهم .. وبالتالي سيبادلونك الاحترام ذاته .

الثالث عشر :- ابتعد عن الثرثرة .. فهو سلوك بغيض ينفر الناس منك ويحط من قدرك لديهم .

الرابع عشر :- ابتعد أيضاً عن الغيبة فهو سيجعل من تغتاب أمامه يأخذ انطباعاً سيئاً عنك وأنك من هواة هذا المسلك المشين حتى وإن بدا مستحسناً لحديثك .. وابتعد عن النميمة .

الخامس عشر :- عليك بأجمل الأخلاق (التواضع) فمهما بلغت منزلتك ، فإنه يرفع من قدرك ويجعلك تبدو أكثر ثقة بنفسك .. وبالتالي سيجعل الناس يحرصون على ملازمتك وحبك .وهذه النقاط منقولة من رسالة في فقه التعامل مع الناس ،وهي نقاط طيبة ، جزى الله من قالها خير الجزاء ، وهي جامعة لأصول فن التعامل مع الناس ، من اعتمدها من الدعاة فإن كلامه وموعظته وتوجيهه سيكون مقبولا بإذن الله تعالى ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آل وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان