خبر الواحد الصحيح حجة في باب المعتقد

خبر الواحد الصحيح حجة في باب المعتقد

 

اعلم رحمك الله تعالى أن الأخبار من حيث وصولها إلينا لها طريقان : إما أن تكون أخبارٌ متواترة ، وإما أن تكون أخبار آحاد . فالأخبار المتواترة هي : التي رواها جمع عن جمعٍ ، من مبدأ السند إلى منتهاه ، بحيث يحيل العقل تواطأهم على الكذب ، وهذه تفيد العلم     الضروري ، وهي كالقرآن الكريم ومتواتر السنة ، ومن ذلك ما قاله الناظم :

مما تواتـرَ حديـثُ مَنْ كَـذَبْ           ومَنْ بنـى لله بيـتًا واحتـَسبْ

ورؤيـةٌ شفاعـةٌ والحــوضُ             ومسحُ خفـَّـينِ وهذه بعـضُ

وهذه لا كلام فيها ، وأما أخبار الآحاد فهو ما فقد شرط التواتر ، فأهل السنة والجماعة كما ذكرنا أنهم يعتمدون في إثبات عقيدتهم على الكتاب والسنة ، أما الكتاب فكله متواتر ، أما السنة فهم يهتمون بصحة الدليل فقط ، فإذا صح السند ولم يُنسخ النص فهم يأخذون به ولا يسألون هل هو خبر آحاد أم متواتر ، وسواءً كان في أمور العقيدة أم أمور الشريعة ، المهم هـو صحة السنـد ، وهـذا بخلاف أهل البدع الذين يقولون إن أخبار الآحاد لا تثبت بها العقائد ، فهم يقولون هذا دائمًا ؛ لأن أخبار الآحاد عندهم لا تفيد إلا الظن وأمور المعتقد لا تثبت بالظنون ، بل لا بد فيها من اليقين واليقين لا يكون إلا في المتواتر ، وهو مذهب باطل .

واعلم أن هؤلاء لم يردوا خبر الآحاد ؛ لأنه إنما يفيد الظن ، وإنما ردوه لأنه لم يتمشى مع أهوائهم العفنة ، فهم لم يقتصروا على رد الآحاد وإنما ردوا حتى المتواتر إذا لم يتوافق مع أهوائهم ، فقد ردوا آيات الصفات التي في القرآن كلها وإن قبلوها سندًا ؛ لأنهم لا يقدرون على تضعيف سند القرآن ؛ لأنهم سيُفضحون حينئذٍ ، فالقوم لا يريدون أصلاً أن يثبتوا الصفات ، لكن قدروا على رد خبر الآحاد بأنه لا يفيد إلا الظن ، فحقيقة كلامهم هذا إنما هو ستارٌ لمذهبهم الخبيث ، فالآحاد يردونه سندًا والمتواتر يردونه معنىً بالتحريف تارة والتأويل أخرى ولا أدل على ذلك من نفيهم لصفة الاستواء وأنه بمعنى استولى ، ببيتٍ من الشعر لا يعرف قائله :

قـد استـوى بشرٌ على العراقِ         مـن غـيرِ سيـفٍ أو دمٍ مهـراقِ

فانظروا كيف تحرف النصوص القرآنية والنبوية من المتواترة من أجل بيت من الشعر ، والله أنها الأهواء والعياذ بالله تعالى . قال تعالى ] أفرأيتم من اتخذ إله هواه [ الآية .

أما أهل السنة والجماعة فهم يأخذون الأمور العلمية من أخبار الآحاد ، ويرون أن أخبار الآحاد لها مأخذان ، من ناحية مطابقة الخبر للواقع ومن ناحية العمل بها ، أما من ناحية مطابقتها للواقع فهي إنما تفيد الظن الراجح إلا إذا اقترن بها من القرائن ما يرفعها إلى مرتبة اليقين كأن يكون قد رواها الشيخان أو اتفقت الأمة على العمل به وهكذا ، ومن ناحية العمل بها إذا صحت فهو قطعي ، إذ يجب العمل به من حين العلم بصحته فإن كان في أمور العقيدة فالواجب هو اعتقاد ما أثبته وإن كان في أمور العبادات فالواجب هو العمل بما دل عليه ، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وهناك عقائد كثيرة أثبتها أهل السنة والجماعة بأحاديث الآحاد الصحيحة ، ومن ذلك على سبيل المثال :

صفة الأصابع فإن أهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى أصابعًا تليق بجلاله وعظمته من دون كيف ولا مثل ، والأحاديث التي أثبتت هذه العقيدة ليست من أحاديث التواتر وإنما من أحاديث الآحاد الصحيحة .

ومنها : كذلك إثبات صفة الضحك لله تعالى ، فلله ضحكٌ يليق به سبحانه وتعالى لا يشبه ضحك المخلوقين ، وأحاديثه لا تبلغ حد التواتر .

ومنها : صفة الـمَلَلَ ، فللَّه مَلَلٌ يليق بجلاله وعظمته ، ليس فيه نقص بوجه من الوجوه ، وأحاديثه كلها لا تبلغ حد التواتر ، والأمثلة كثيرة ،  فاحذر يا طالب العلم من الانسياق وراء آراء المضللين العقلانيين الذين يحكمون عقولهم العفنة في شريعة الله تعالى ، ويردون أخباره وأخبار رسوله - e - ، لمجرد أن عقولهم لم تدل عليه ، ولمجرد أنها أخبار آحادٍ .

وإنهم لم ينقرضوا ، بل لا زالوا ولا زالت أقلامهم تتقيح الصديد على أخبار الله تعالى ورسوله - e - ، بل يصرح بعضهم في مؤلفاته أنه سيعرض كل النصوص على عقله ويرد ما يرده عقله ، حتى ردوا أحاديث كثيرة لأنها أخبار آحاد ، أو لأن العقل لم  يدل عليها .

نعوذ بالله تعالى من كل أسباب الضلال والزيغ  ، وأن يوفقنا وإخواننا إلى كل ما يقربنا   لرضاه ، وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، والله تعالى أعلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان