ما لم يرد فيه دليل بخصوصه فلا نثبت لفظه ولا ننفيه ونستفصل في معناه ، فإن أُريد به حقٌّ قبلناه وإن أًريد به باطلٌ رددناه |
ما لم يرد فيه دليل بخصوصه فلا نثبت لفظه ولا ننفيه ونستفصل في معناه ، فإن أُريد به حقٌّ قبلناه وإن أًريد به باطلٌ رددناه
اعلم أن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات مجملٌ في ثلاث نقاط : أما في الإثبات فنحن نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله - e - من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريفٍ ولا تعطيل ، بل } ليسَ كمِثلِهِ شيءٌ وهُو السَّميْعُ البَصِير { ، وأما في النفي فهم ينفون عن الله تعالى كل ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله - e - مع إثبات كمال الضد ، وأما النقطـة الثالثة فهي قاعدتنا التي معنا ، وهي مذهب أهل السنة والجماعة في ما لم يرد فيه دليل بخصوصه ، أي هناك ألفاظٌ وصفات ، يتكلم بها أهل التعطيل ، ويفرون منها وحرفوا نصوص الكتاب والسنة من أجلها ولم يرد لها ذكرٌ في الكتاب والسنة بخصوصها، فما هو المذهب فيها عند أهل السنة ؟ إذا علمت هذا فاعلم أن ما لم يرد فيه دليل بخصوصه لنا فيه نظرتان ، نظرة من حيث لفظه ونظرة من حيث معناه ، فأما من حيث لفظه فلا نثبت لفظه لعدم ورود الدليل الخاص به ولم يتكلم به السلف ، وأما من ناحية معناه فالواجب هو التوقف فيه والاستفصال عنه ؛ لأن هذه الألفاظ فيها حق وفيها باطل فهي ألفـاظ مجملة ، واللفظ المجمـل يحتـاج إلى بيـان فنستفصل فيه ، فإن أُريد به حقٌ قبلناه ، وإن أُريد بـه باطلٌ رددنـاه . وحتى تتضح هـذه القاعدة نضرب بعض الفروع عليها : منها : لفظ( الجهة ) فيقال : هل الله تعالى في جهة ؟ فيقال : إن لفظ الجهة لا نثبته لعدم وروده في القرآن الكريم ولا السنة ولا في كلام السلف ، أما معناه فنتوقف فيه ؛ لأن لفظ الجهة فيه حق وفيه باطل . فنقول : ما ذا تريد بلفظ الجهة ؟ هل تريد به جهة سفلٍ ؟ أم جهة علو محيطة بالله تعالى ؟ أم جهة علو غير محيطةٍ بالله تعالى ؟ فإن أراد الأول فهو باطل ؛ لأن جهة السفل نقص والله تعالى منزه عن النقص . وإن أراد الثاني فهو باطل أيضًا ؛ لأن الله تعالى لا يحيط به شيءٌ من مخلوقاته . وإن أراد الثالث فهو حق يجوز على الله تعالى ، لكن لا نسميه بالجهة وإنما نسميه بالعلـو ؛ لأن النبي - e - أشـار في خطبة عرفة إلى السماء ، وكذلك لما قال للجارية : (( أين الله )) ؟ قالت : في السماء . رواه مسلم ، وكذلك في الدعاء كان يشير إلى جهة العلو . فالله تعالى في العلو المطلق على ما يليق بجلاله وعظمته . فصار إذًا لفظ الجهة يحتمل الحق ويحتمل الباطل ، فلو رددناه مطلقًا لأدى ذلك إلى رد ما فيه من الحق ، ولو قبلـناه مطلقًا لأدى ذلك إلى قبـول ما فـيه من الباطل ، لكن لما استفصلنا تميز الحق من الباطل فقبلنا الحق ؛ لأن الحق يجب قبوله ، ورددنا الباطل ؛ لأن الباطل يجب رده . ومنها : المكان ، فإذا قيل لك هل الله تعالى في مكان ؟ فقل : أما لفظ المكان فلا نثبته ؛ لعدم ورود الأدلة بإثباته ، ولم يثبت عن السلف القول به ، وأما معناه فنتوقف فيه ، فيقال : ماذا تريد بأن الله تعالى في مكان هل تعني أنه مكان سفل فهو باطل لأن الله تعالى منزه عن النقص والسفل نقص ، أم تريد مكان علو محيط بالله تعالى فهو باطل أيضًا لأن الله تعالى لا يحيط به شيءٌ من مخلوقاته ، أم تريد مكان علو غير محيط بالله تعالى فهذا حق نثبته لله تعالى لكن لا ننخدع بألفاظ أهل البدع ، ويكفينا من ذلك قول أهل السنة :- إن الله فوق العرش . ومنها : الحيز ، فإذا قيـل هـل الله تعالى في حيـز ؟ فقل أما لفظ الحيز فلا نثبته لعدم ورود الأدلة النقلية به ولم يتكلم به السلف ، وأما معنـاه فنستفصـل فيـه فنقول هل تريد بالحيز أن الله تعالى تحوزه المخلوقات أو هو يحوزها أي أن الله تعالى فيه شيءٌ من مخلوقاته أو في مخلوقاته شيءٌ منه ؟ فإن أردت هـذا فهـو معنى باطل ، كل البطلان وهو عقيدة أهل الحلول والاتحاد – والعياذ بالله تعالى - ، أم تريـد بالحيـز بمعنى المنحـاز أي أن الله تعـالى منحاز عن خلقه بمعنى أنه منفصل عنهم فليس فيه شيء منهم وليس فيهم شيءٌ منه ؟ فإن أردت هذا فهو قـول صحيـح لكـن لا نتكلم بلفـظ الحيز لأنـه من الألفـاظ البدعيـة التي لم ترد عن السلف ، ويكفينا قول أهل السنة : أن الله مستوٍ على عرشه بائن من خلقه . ومنها : لفظ الجسم ، فإذا قيل لك هل لله تعالى جسم ؟ فقل إن لفظ الجسم من الألفاظ البدعية التي لم ترد عن السلف فلا نثبته ، وأما معناه فنتوقف فيه ونقول : ماذا تريد بالجسم ؟ هل تريد مـا هو أجـزاءٌ وأبعـاض في حقنـا مفتقـر بعضهـا إلى بعض ؟ فهذا معنى باطل لا يجوز على الله تعالى ، أم تريد به الذات القائمة بنفسها المتصفة بصفات الكمـال ونعوت الجلال ، فهذا حق لكن لا نتكلم بلفظ الجسم لأنه لفظٌ محدث ولكن نسميه ذاتاً وصفاتاً ، وأظن أن القاعدة بهذا الكلام قد اتضحت ، والمقصود أن أهل البدع يقولون كلامًا مجملاً فيه حقٌ وفيه باطلٌ فالواجب على المنصف أن يتثبت في كلامهم قبل أن يرده أو يقبله ، والله تعالى أعلى وأعلم |