الاتفاق في الاسم الكلي العام لا يستلزم الاتفاق بعد التقييد والتخصيص والإضافة

الاتفاق في الاسم الكلي العام لا يستلزم الاتفاق بعد التقييد والتخصيص والإضافة

 

هذه القاعدة متممة لما قبلها بل هي فرع لها ، وبيانها : إن الصفات عندنا لا تخلو من ثلاث حالاتٍ لا رابع لها ، إما أن تكون الصفة مطلقة غير مضافة إلى شيء ، كقولك ( سمع ) و    ( بصر ) و( علم ) و( كلام ) فتذكر الصفة ولا تقيدها بشيء ، والنوع الثاني : صفات مضافة إلـى الله تعالى ، كـ( سمع الله ) و( بصر الله ) و( علم الله ) و( كلام الله ) ، والنوع الثالث : صفات مضافة إلى المخلوقين ،كـ( سمع المخلوق ) و( بصر المخلوق) و( علم المخلوق ) و( كلام المخلوق ) إذا علمت هذا فاعلم أن الصفة المطلقة هي التي نعنيها إذا قلنا  ( الاسم الكلي العام ) أو ( الاسم المطلق ) وهذه الصفة ليس لها وجود في الخارج أبدًا إنما وجودها يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان ، فلا تجد في الشاهد سمعًا ولا بصرًا ولا علمًا ولا كلامًا مطلقًا بلا شيء يقيده ، بل لا نجد إلا سمع زيد أو سمع عمرو   وهكذا ، أما أن نجـد صفـة من غير موصـوف فلا ، وهذا الأمر ممتنعٌ في بداهة العقول ، إذا تقرر لك هذا فاعلم : أن ما من موجودين إلا وبينهما نوع تشابهٍ واشتراك من وجه هو في الاسم العام فقط لكن هذا الاشتراك يختفي وينتهي من حين ما تُقَيّد الصفة بموصوفٍ ، أما قبل تقييدها ففيه نوع اشتراك ، وهذا الكلام عام في الأسماء كلها سواءً في أسماء الله تعالى أو   غيرها ، واعلم أن الاشتراك والتشابه في هذا الاسم العام الذي ذكرناه ليس هو التشبيه الذي نفته الأدلة وليس هو المراد من قول أهل السنة ( من غير تشبيه ) ، بل إن التشبيه الذي حاربته الأدلة ونفاه أهل السنة وهو قول أهل التمثيل هو القول بالمماثلة بعد التقييد والتخصيص ، وإن كان هذا الكلام عسيرًا فسيتضح بالمثال - إن شاء الله تعالى - فأقول : سمع الله تعالى وسمع المخلوق اشتركا في الاسم الكلي العام الذي هو كلمة ( سمع ) لكن لما أضيف السمع إلى الله تعالى زال هذا الاشتراك وهذا الشبه ، فسمع المخلوق يخصه وسمع الخالق يخصه ، وكذلك علم الخالق وعلم المخلوق اشتركا في الاسم الكلي العام الذي هو كلمة( علم ) لكن زال هذا الاشتراك بعد التخصيص والإضافة فعلم الله تعالى يخصه لا يشركه فيه غيره وعلم المخلوق يخصه ويليق به ، وعلى هذا فقس ، والمهم أن تعـرف أن هـذا الاشتراك في الاسـم العـام ليس هـو المنفي بقولنا ( بلا تشبيه ) لأنه لا يمكن أن يوجد في الخارج أصلاً ، وإنما المنفي هو الاشتراك في الصفة بعد التقييد والتخصيص ، فإذا قلت سمع الخالق صار هذا السمع خاصًا بالخالق ، وإذا قلت سمع المخلوق صار هذا السمع خاصًا بالمخلوق ولذلك لا يصح أن يعتمد في باب النفي على مجرد نفي التشبيـه ، لأن المـراد حينئذٍ لا يخلـو إما أن يراد به نفي التشبيه المطلق أو نفي مطلق التشبيه ، فإن أريد الأول فهو رد على قول ليس له قائل إذ لم يقل أحد منذ آدم إلى الآن بأن لله مثيل في جميع صفاته ، وإن أريد الثاني فليس بصحيح ، لأن ما من شيئين إلا وبينهما نوع اشتراك وتشابه ويكون في الاسم الكلي العام ، والصواب أن يكون الضابط في النفي هو أن ينفى عـن الله تعالى صفـات النقص جملـةً ، وأن ينفى عنه أيضاً توهم النقص في صفات الكمال ، وكذلك ينفى عنه مماثلة المخلوقين ، وهذا واضح ، والله تعالى أعلى وأعلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان