الأعيان المضافة إلى الله تعالى إن كـانت لا تقوم بذاتهافإضافـة صفـة وإلا إضافة تشريف وتكريم

 

القاعدة الخامسة عشرة

الأعيان المضافة إلى الله تعالى إن كـانت لا تقوم بذاتها فإضافـة صفـة وإلا إضافة تشريف وتكريم

 

اعلم رحمك الله تعالى أن الله تعالى في كتابه الكريم يضيف بعض الأشياء إلى نفسه إما تصريـحًا باسم الجلالة وإما بالضمير ، فماذا تعني هذه الإضافة ؟ هل لها ضابطٌ معينٌ    مطرد ؟

الجواب هو هذه القاعدة فنقول :

إن الأعيان التي يضيفها الله تعالى إلى نفسه نوعان :

الأول : أشياءٌ تقوم بنفسها ، والثاني أشياء لا تقوم بنفسها بل لا يتصور العقل أن تقوم إلا بغيرها ، فإذا أضاف الله تعالى الأعيان التي تقوم بنفسها فإن هذه الإضافة تعتبر إضافة تكريمٍ وتشريف أو إضافة عبودية أو إضافة خلقٍ باعتبار المضاف ، وهذا له أمثلةٌ كثيرة في كتاب الله تعالى فمن ذلك قول الله تعالى : } هذه ناقة الله لكم آية { فقد أضاف الله تعالى في هذه الآية الكريمة الناقة إلى نفسه فقال : ( ناقة الله ) فلننظر أولاً إلى المضاف هل هو يقوم بنفسه أم لا ؟ بالطبع أن الناقة مما يقوم بنفسه فعلى هذا فالإضافة هنا تكون إضافة تشريفٍ وتكريمٍ لهذه الناقة وإظهارًا لعظمتها ، وليست إضافة صفة إذ لا يجوز أن نقول إن الناقة من صفات الله تعالى لأنه أضافها إلى نفسه ، لأن الناقة ذاتٌ مستقلةٌ لا تقوم بغيرها وإنما تقوم بنفسها .

ومن الأمثلة قوله تعالى : } وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود { ففي هذه الآية أضاف الله تعالى البيت الحرام إلى نفسه فقال : ( بيتي ) ومن المعلوم أن البيت الحرام مستقلٌ عن الله تعالى بل هو قائمٌ بنفسه مستقلٌ عن غيره فإضافته هنا إضافة تشريفٍ وتعظيم .

ومن ذلك قول الله تعالى : } فأرسلنا لها روحنا فتمثل لها بشرًا سويا { فأضاف الله تعالى جبريل إلى نفسه لأن المراد بالروح هنا جبريل ، ومن المعلوم أن جبريل - u - ذات منفصلة عن الله تعالى قائمٌ بنفسه فهذه الإضافة إضافة تشريفٍ وتكريم .

ومن ذلك قول الله تعالى : } ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين { فهنا أضاف الله تعالى النبي - e - إلى نفسه ومن المعلوم أن النبي - e - منفصل عن الله تعالى كل الانفصال وأنه ذاتٌ مستقلةٌ قائمةٌ بنفسها فالإضافة هنا إضافة تكريم وتشريف . والأمثلة على هذه الإضافة كثيرة يطول المقام بتتبعها .

وأما إذا أضاف الأشياء التي لا يتصور قيامها بنفسها فاعلم أن هذه الإضافة إضافة صفةٍ إلى موصوف ، ومن الأمثلة على ذلك : قول الله تعالى : } ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ { فقد أضاف الله تعالى اليدين إلى نفسه الكريمة ونحن لا نتصور يدين إلا بعد تصورنا لمن قامت به فهي لا تقوم بنفسها ، بل لا بد من محلٍ لتقوم به ، فهي إضافة عين لا تقوم بنفسها فهي إذًا إضافة صفة إلى موصوف فالله تعالى متصفٌ بصفة اليدين .

ومن ذلك قول الله تعالى : } ورحمتي وسعت كل شيء { فقد أضاف الله تعالى هنا الرحمة إلى نفسـه والرحمة لا تقـوم بذاتهـا ، بل لا بـد من محل لتقـوم فيـه فلا نتصـور رحمةً تمشي على الأرض ، فهي إذا من باب إضافة الأعيان التي لا تقوم بذاتها فهي إضافة صفةٍ إلى موصوفٍ .

ومن ذلك  قول الله تعالى : } ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام { والوجه لا يمكن أن يقوم إلا في غيره فهي إذًا إضافة صفة .

ومن ذلك قوله تعالى : } فأجره حتى يسمع كلام الله { فقد أضاف الله تعالى الكلام إلى نفسه والكلام لا يقوم إلا بالمتكلم فهي إذًا إضافة صفة إلى موصوف ، وبهذا يرد على من  قال : إن الكلام ذاتٌ قائمةٌ بنفسها ، منفصلٌ عن الله تعالى كل الانفصال ، فهذا القول مخالفٌ للمعقول إذ العقل لا يمكن أن يتصور كلامًا مستقلاً عن المتكلم ، لأن الكلام صفة للمتكلم والصفة لا يعقل أن تفارق الموصوف ، بل ومخالفٌ للمنقول ، لأنه يقتضي نفي صفة الكلام عن الله    تعالى . قال الناظم :-

وإذا أضاف الله عيناً لا تقو         مُ بذاتها فالوصف للرحمن

وإذا تقوم بذاتها فإضافة ال          تشريـف يا إخوانـي

 والأمثلة على ذلك كثيرة وفيما مضى كفايةٌ - إن شاء الله تعالى -  والذي دعانا لتقرير هذه القاعدة : أن المبتدعة يقولون : إن إضافة اليد والوجه والكلام والعين والعلم إلى الله تعالى كإضافة الناقة والبيت إليه ويقصدون بذلك أنها إضافة تشريف وتكريم لا إضافة صفة إلى موصوف فاضطر أهل السنة إلى الرد عليهم بالتفريق والتمييز بين هاتين الإضافتين وبيان مدلول كل واحدة منها ، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بمتابعة كتابه ظاهرًا وباطنًا وبمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم في العمل والاعتقاد ، فإنها والله هي السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة وهي أعني الهداية إلى الصراط المستقيم من أعظم النعم على ابن آدم فاسأل ربك دائمًا أن يجعلك من الهادين المهتدين ، والله تعالى أعلى وأعلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان