باب الصفات أوسع من باب الأسماء وباب الأخبار أوسع من باب الصفات |
القاعدة الحادية العشرونباب الصفات أوسع من باب الأسماء وباب الأخبار أوسع من باب الصفات
لعلك تذكر أننا قلنا فيما مضى أن شيخ الإسلام يطلق لفظ القديم على الله تعالى من باب الخبر وقلنا أن هذا الكلام سوف يتضح بالقاعدة الحادية والعشرين ، وهذا أوانها فأقول : عندنا في هذه القاعدة ثلاثة أمور عندنا أسماء وعندنا صفات وعندنا أخبار ، فاعلم أن باب الأسماء والصفات من الأبواب التوقيفية على الدليل الشرعي الصحيح كما مضى لكن باب الأخبار ليس من الأبواب التوقيفية ، بل هو من الأبواب التي ليس فيها حد معين إلا أنه يجب فيما يُخبرُ به عن الله تعالى أن يكون مما يجوز على الله تعالى ولا يكون فيه نقصٌ بوجهٍ من الوجوه ، هذا أمرٌ . والأمر الثاني : اعلم أن أضيق الأبواب في هذا هو باب الأسماء لأنها أقل من الصفات - هذا فيما نعلم من الأسماء التي في الكتاب والسنة - وبعده يأتي باب الصفات فهو أوسع من باب الأسماء وأضيق من باب الأخبار ذلك أن كل اسمٍ فهو يتضمن صفةً ولا عكس ، فهناك كثيرٌ من الصفات لا يصح أن نشتق منها لله تعالى أسماءً وذلك كصفة المجيء يوم القيامة فلا يصح أن نقول لله تعالى : ( الجائي ) ، ومثله صفة النزول إلى السماء الدنيا فلا يصح أن نقول لله تعالى : ( النازل ) ، وكذلك صفة الكيد والمكر والمخادعة فلا يصح أن نقول لله تعالى : ( الكائد والماكر والمخادع ) فهذه الصفات لا يصح أن نسمي الله تعالى بما اشتق منها ، ولذلك قلنا إن باب الصفات أوسع من باب الأسماء ، وخلاصة الكلام ، أن باب الصفات أوسع لأن هناك صفاتٍ يجوز إطلاقها على الله تعالى إطلاق وصفٍ لا إطلاق تسمية ، وأما باب الأخبار والأفعال فإنه أكبر من باب الأسماء وأكبر من باب الصفات لأن مبناه أصلاً ليس على التوقيف وإنما مبناه على صحة الخبر وجوازه على الله تعالى فيجوز أن نخبر عن الله تعالى بما لم يرد في الكتاب والسنة إذا كان خبرًا صحيحًا يجوز عليه لكن لا نعتقد أن هذا الخبر من أسمائه ولا من صفاته لعدم الدليل ، وحتى تتضح هذه القاعدة نضرب بعض الأمثلة . قد ذكرنا في ثنايا القاعدة أمثلةً على أن هناك صفاتٍ لا يجوز أن نشتق منها لله تعالى أسماءً ، وأما الأمثلة على الأخبار ، فمن أمثلته : أنه يؤثر عن الإمام أحمد أنه كان يقول في سفره إذا تاه : ( يا دليل الحائرين دلني ) فإذا صح ذلك عنه فإنه يحمل على أنه من باب الأخبار وإلا فليس من أسماء الله تعالى الدليل وليس كذلك من صفاته وإنما من أفعاله جل وعلا أنه هو الذي يهدي التائهين ويدلهم على الطريق الصحيح . ومن ذلك قول بعض أهل السنة ( إن الله تعالى موجود قديم أزلي واجب الوجود ) فكل هذه الأمور ليست من باب الأسماء ولا من باب الصفات وإنما هي من باب الأخبار عن الله تعالى وكلها أخبارٌ صحيحة تجوز على الله تعالى . ومــن ذلـك قولـه تعالى : } أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون { فلا يجوز أن يقال لله تعالى : ( الزارع ) على أنه اسمًا له أو صفةً من صفاته وإنما يقال : هو الزارع على أنه خبرٌ عن فعلٍ من أفعال الله تعالى وليس كل فعلٍ فعله الله تعالى يشتق له منه اسمًا أو صفة . فمن أفعاله تعالى أنه أرسل الرسل وأنزل الكتب ، فلا يقال لله تعالى : ( المرسل أو المنـزل ) على أنه اسمًا له أو صفةً وإنما يجوز ذلك على أنه خبرٌ عن فعلٍ من أفعاله ، ومن ذلك قول النبي - e - في الحديث القدسي : (( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار )) فلا يقال لله تعالى : ( المقلب ) على أنه اسمًا أو صفةً ولكن يجوز ذلك على أنه خبرٌ عن فعلٍ من أفعال الله تعالى . ومن ذلك قول بعض أهل السنة إن الله تعالى : ( شيء من الأشياء ) ويستدلون عليه بقوله تعالى : } قل أي شيء أكبر شهادةً قل الله { لكن لا يقال لله تعالى : ( الشيء ) على أنه اسمًا له أو صفة وإنما يجوز ذلك على أنه خبرٌ عنه وهو خبرٌ صحيح ولا شك لهذه الآية . ومن ذلـك قول الله تعالى : } نـحـن جعـلـنـاهـا تذكـــرةً ومتـاعًا للمقـويـن { فلا يقال إن الله : ( جاعلٌ ) على أنه اسمٌ أو صفةٌ وإنما يجوز ذلك على أ نه خبر عن فعلٍ من أفعال الله تعالى . والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا فالواجب هو أن يعرف الإنسان الفرق بين هذه الإضافات فيفرق بين إضافة التسمية وبين إضافة الصفة وبين إضافة الخبر عن الفعل فمن عرف التفريق بينها فقد أوتي خيرًا كثيرًا نسأل الله تعالى أن يوفقنا فيه ، والله تعالى أعلى وأعلم . |