مــن صــرف نـوعًا مـن أنـواع العبـادة لغـيـر الله علـى وجـه لا يليـق إلا بالله تعالـى فشرك أكبر

                     القاعدة الرابعة والعشرون

مــن صــرف نـوعًا مـن أنـواع العبـادة لغـيـر الله علـى وجـه لا يليـق إلا بالله تعالـى فشرك أكبر

 

هذه القاعدة هي لب التوحيد وجماعه ، وهي أخطر نقطة فيه ، فكم زلت الأقدام لما لم     تفهمها ، وكم من مشركٍ بيننا يحسب أنه على التوحيد وهو من الخاسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا ، فلا بد من فهمها حق فهمها     فنقول :

العبادة : اسم جامع لما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، فكل شيء يحبه ويرضاه فهو عبادة ، ولها أنواع كثيرة جدًا ، ولكن قبل الدخول في تفصيلها نشرح القاعدة فنقول : إن أي نوع من أنواع العبادة فهو حق خالص لله تعالى لا يجوز صرفه إلى غيره البتة ، ومن صرفه لغير الله ، فقبل الحكم ننظر هل صرفه لغير الله في شيء يقدر عليه عامة البشر ، فإن كان الجواب نعم ، فهذا لا بأس به وليس من العبادة في شيء ، وإن صرفه في شيء لا يقدر عليه إلا هو سبحانه فهذا هو الشرك الأكبر ، وهذا معنى قولي : (( على وجه لا يليق إلا بالله )) فإن هذه الأنواع التي سأذكرها - إن شاء الله تعالى - لا تصرف إلا إلى الله تعالى في الشيء الذي لا يقدر عليه إلا الله ، وأما في الشيء الذي يقدر عليه عامة البشر فلا بأس أن تصرف لغير الله تعالى لأنها ليست حينئذٍ عبادة ، وحتى يتضح الكلام أذكر بعض الفروع :

فمنها : الدعاء : الدعاء عبادة خالصة لله تعالى لا يجوز أن يدعى مع الله تعالى غيره قـال تعـالى : } وأن المساجد لله فلا تدعوا مـع الله أحـدًا { وقـال تعـالى : } وقال ربكم ادعوني أستجب لكم { وقال تعالى على لسان إلياس النبي : } أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين ، الله ربكم ورب آبائكم الأولين { . وقال النبي - e - لابن عباس : (( إذا سألت فاسأل الله )) فهذه الأدلة وغيرها تخبر أن الدعاء عبادة ، وبناءً عليه فلا يجوز صرف الدعاء لغير الله تعالى ، أما دعاء العبادة فهذا لا إشكال فيه . ولكن من صرف شيئًا من دعاء المسألة لغير الله فننظر هل المدعو به شيئًا يقدر عليه البشر أم لا ؟ إن كان يقدر عليه البشر فلا بأس وليس صرفه لغير الله حينئذٍ شرك لكن بشروط ثلاثة : أن يكون المدعو حيًا فمن دعا ميتًا فهو مشرك ؛ لأن الأموات غير قادرين على فعل شيء . وأن يكون حاضرًا ؛ لأن الغائب لا يسمع دعاء من دعاه فالذي يدعوه فقد اعتقد أنه يعلم الغيب وهو كفر . وأن يكون قادرًا على إجابة الدعاء ، وبناءً عليه فلا يجوز أن يقال يا فلان أنزل المطر أو أخرج الزرع أو ارزقني بولد أو أمد في عمري ؛ لأن هذه الأشياء لا يقدر عليها إلا الله تعالى ، المهم : أن من دعا غير الله فإن كان في شيء يقدر عليه البشر فليس بشرك ، وإن كان في شيء لا يقدر عليه إلا الله فهو شرك أكبر لأنه صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله على وجه لا يليق إلا بالله .

ومنها : الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة : فالاستغاثة : طلب الغوث . والاستعانة : طلب العون . والاستعاذة : طلب العوذ والسين والتاء إذا دخلت على المصدر أفادت الطلب ، هذه الثلاثة أنواع من العبادة دل الدليل الشرعي عليها من الكتاب والسنة فإذا كان كذلك فمن صرفها لغير الله على الوجه الذي لا يليق إلا بالله فهو مشرك شركًا أكبر مخرجًا عن الملة ، ويكون ذلك إذا استغاث أو استعان أو استعاذ بالمخلوقات في شيء لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، كأن يقول : غوث يا بدوي وقد مات ، أعوذ بك من النار يا سيدي الحسين ، وهكذا فهذا شرك لأنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى . وأما إذا صرفت لغير الله فيما يقدر عليه البشر فهذا لا بأس به لأنها ليست حينئذٍ من العبادة  .

ومنها : الخوف : منه ما هو عبادة وهو ما يسميه العلماء بخوف السر كالخوف من قبر أو ولي ويتعبد له بهذا الخوف فهذا لا يجوز صرفه إلا لله تعالى ، أما الخوف الطبيعي الجبلي فهذا لا بأس به كالخوف من الحية والعقرب والذئب ونحوه ؛ لأنه خوف ليس للإنسان فيه حيلة ، فقد خاف كليم الله موسى من قوم فرعون لما قتل منهم نفسًا قال تعالى عنه : } ففرت منكم لما خفتكم { وقال تعالى عنه : } فخرج منها خائفًا يترقب { . المقصود أن من صرف الخوف لغير الله على الوجه الذي لا يليق إلا بالله فهو مشرك .

ومنها : النـذر : عبـادة دل الدليل على أنه عبادة ، قال تعالى في صفات أهل الجنة :          } يوفون بالنذر { ، فالوفاء بالنذر يحبه الله ويرضاه فهو عبادة ، فإذا كان عبادة فلا يجوز صرفه لغير الله تعالى على الوجه الذي لا يليق إلا بالله تعالى ، كالنذر للأموات أو للأولياء أو للأنبياء فهذا كله شرك لا يجوز .

ومنها : الخشية والرهبة : ويقال فيها ما قيل في الخوف .

ومنها : التوكل : قال تعالى : } وعلى الله فليتوكل المتوكلون { وقال : } وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين { ، فإذا كان عبادة فلا يجوز صرفه لغير الله في الشيء الذي لا يقدر عليه إلا الله    تعالى ، أما التوكل على المخلوقين فيما يقدرون عليه فلا بأس به .

والقول الجامع في هذا : أن كل عبادة لا يجوز صرفها إلا لله تعالى ، وصرفها لغيره شرك إذا كان صرفها على الوجه الذي لا يليق إلا بالله تعالى ، والله تعالى أعلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان