لا يجوز الحلف إلا بالله أو صفة من صفاته |
القاعدة السابعة والعشرونلا يجوز الحلف إلا بالله أو صفة من صفاته
إن الحلف عبادة من العبادات دل الدليل على عدم جواز عقدها إلا بالله أو صفة من صفاته ، قال - e - : (( لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت )) وقال عليه الصلاة والسلام : (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )) إذا علم هذا ، فإن من حلف بغير الله تعالى فقال : وجبريل ، أو والنبي ، أو والعيش ، والملح ، أو وحياة أبيك أو وليك أو الأمانة أو الشرف فلا يخلو الحلف بهذا من حالتين : إن اقترن بحلفه تعظيم كتعظيم الله تعالى فهذا شرك أكبر ؛ لأنه جعل الله في مرتبة واحدة مع خلقه ، وإن حلف ولم يعتقد ذلك كالحلف الذي يجري على اللسان مما اعتاد بعض الناس عليه بلا قصد تعظيم فهذا شرك أصغر ، وهو من أكبر الكبائر – والعياذ بالله - . قال ابن مسعود : ( لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا ) وذلك لأن الحلف بالله مع الكذب معصية وليست شركًا ، لكن الحلف بغير الله ولو صادقًا شركٌ قد يكون أكبرًا أو قد يكون أصغرًا ، وحال المسلمين اليوم ترثى إلى الله تعالى ، فقد تفاقم الأمر وعظم ، فتجد من لم يعظم الله حق تعظيمه إذا حلف كاذبًا لا يحلف إلا بالله تعالى ، فتجده يذكر جميع أسماء الله دونما خوفٍ أو حرج ، لكن يتورع أن يحلف بوليه المزعوم كاذبًا بل وليه أعلى وأجل من أن يحلف به كاذبًا وهذا هو عين الكفر والشرك – والعياذ بالله تعالى - . قال الناظم في نونيته : لا تحلفن بغير ربك واقتصد عود لسانـك قلة الأيمـانفلا يجوز عقد اليمين إلا بالله أو بصفة من صفاته ، كقولك : ( ويد الله وعين الله وكلام الله ، وهكذا ) . ولذلك اختلف العلماء في الحلف بالمصحف على قولين : فقيل : لا ، وقيل : نعم ، والذي عليه المحققون أن الحلف بالمصحف لا يخلو من حالتين : إما أن يكون قصد الحالف أوراقه وجلدته وحبره فهذا كله مخلوق لا يجوز الحلف به وإما أن ينوي الكلام الذي فيه فإنه كـلام الله فهذا لا بأس به لأن كلام الله صفة من صفاته ، وأنت تسمع كثيرًا بعض الناس يقول : والكعبة وبيت الله ، ورسول الله ، فهذا كله لا يجوز ؛ لأنها مخلوقة بخلاف قولك : ورب البيت ورب الكعبة فهذا جائز لأنه حلف بالله تعالى . وقولك : ( والذي نفسي بيده ) جائز ؛ لأن الذي بيده الأنفس هو الله تعالى ، وقد كان النبي - e - يحلف به كثيرًا . وأما قول الله تعالى : } والشمس وضحاها ، والقمر إذا تلاها ، والنهار إذا جلاها ، والليل إذا يغشاها { وقوله : } والفجر { وقوله : } والضحى { فهذا حلف بالمخلوقات لكنه صادر من الله جل جلاله والقاعدة تقول : الله يحلف بما شاء من مخلوقات وهذا الحلف من الله تعالى يدل على عظمة المحلوف به . لكن البشر لا يحلفون إلا بالله تعالى أو صفة من صفاته فإذا قلت : أليست الصفة غير الموصوف ، لا أعني بهذا الكلام أن الصفة لا تفيد معنى زائداً على الذات أو أنها منفصلة عن الموصوف بل أعني أنها متصلة به ولكنها تفيد معنى زائداً عنه فذواتنا شيء وصفاتنا شيء ، فكيف يجوز الحلف بالصفة مع أنها ليست هي الموصوف ؟ وقد قلتم سابقًا أنه لا يجوز دعاء الصفة لأنها ليست هي عين الموصوف أو ليس الحلف والدعاء بابها واحد فلم أجزتم الحلف بالصفة ولم تجيزوا دعائها ؟ قلنا وبالله التوفيق : هذا سؤال دقيق ومهم وجوابه : هو معرفة الفرق بين باب الدعاء وباب الحلف ، فإن باب الدعاء مبناه على الافتقار والمذلة التي تقوم بالداعي وأنه لا يدعو إلا من يقدر على الإجابة ، الذي يملك الضر والنفع ، وهذا لا يملكه إلا الله تعالى فلا يفتقر إلا إليه ولا يملك النفع والضر إلا هو سبحانه وتعالى ، فمن هذا الباب لم يجز الدعاء إلا لله تعالى فصفاته لا تملك ضرًا ولا نفعًا لأن الصفة ليست هي عين الموصوف . وأما باب الحلف فمبناه على التعظيم فلا تحلف إلا بمعظم والله وصفاته كلها عظيمة فمن هذا الباب جاز الحلف بالصفة والله سبحانه وتعالى عظيم في ذاته عظيم في صفاته عظيم في أفعاله هذا الجواب الأول . ويقال ثانيًا : أنه قد ثبت في السنة أن النبي - e - حلف ببعض الصفات كقوله - e - : (( والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ولا المقتول في أي شيء قتل )) والأحاديث في ذلك كثيرة لكن لم يرد قط أنه دعا صفة من الصفات وباب العبادة باب مبناه على الحظر والتوقيف ، والله تعالى أعلى وأعلم . |