القاعدة الثلاثون
لا يطلب الدعاء إلا من الحي الحاضر القادر
فهي شروط ثلاثة إذا توفرت جاز ذلك وإذا لم يتوفر واحد منها فلا يجوز حينئذ التوسل بذلك ، فالشرط الأول : الحياة أي حياة المطلوب منه الدعاء وبناءً عليه فلا يجوز أن يطلب الدعاء من الميت لأن الميت لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا بل هو مسكين مرهون بعمله إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فـشـرًا قال تعالى : } أموات غير أحياء { ومن هنا تعرف خطأ من يدخل المقبرة ليدعو الولي الفلاني أو النبي الفلاني ، فتراهم يدعونه في كشف الملمات وفي تفريج الكربات وهذا كله شــرك أكبر مخرج عن الملة لا يجوز فالأموات لا يجوز دعاؤهم وقد مات النبي - e - ودفن بالمدينة في غرفة عائشة والصحابة متوافرون الخلفاء الأربعة وغيرهم لكنهم لم يثبت عن أحدٍ منهم أنه دعا النبي - e - بعد موته ، بل كانوا إذا ألمت بهم سنة دعوا بأنفسهم أو طلبوا من أحدٍ حاضر حي قادر أن يدعو لهم فقد استسقى المسلمون في عهد عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي - e - ، بل وقد ثبت عنه - e - النهي عن اتخاذ القبور مساجد وجعلها مكانًا للدعاء لأنه من اتخاذها مساجد فقد قال رسول - e - : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ولا قبري عيدًا وصلوا علي حيث كنتم فإن صلاتكم تبلغني )) وعن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي - e - فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال ألا أحدثك حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله - e - أنه قال (( لا تجعلوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا وصلوا علي فإن تسيلمكم ليبلغني حيث كنتم )) رواه المقدسي المختارة ، وأحاديث النهي عن ذلك كثيرة منها : حديث عائشة في الصحيحين في كنيسة الحبشة وحديثها وابن عباس في الصحيحين أيضًا في نهيه - e - عن ذلك حين نزل به الموت .
واعلم أن من صرف دعاءه للأموات فإنه في خسارة عظيمة فإنه لا يسمعه من يدعوه وإذا لم يسمعه كيف يستجيب له ولو سمعه لما قدر على الإجابة لأنه لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا فكيف يملك لغيره فإن فاقد الشيء لا يعطيه . وأما الشرط الثاني : فهو أن يكون المدعوا حاضرًا والحضور إما حقيقي وإما حكمي ؛ فالحقيقي : هو أن تراه أمامك رؤية طبيعية فتطلب منه أن يدعو لك ، وأما الحضور الحكمي : فهو أن تسمع كلامه ويسمع كلامك لكن لا ترى صورته أو يصله طلبك للدعاء بوسيلـة حسيـة معروفـة وإن لـم تكـن أمامـه عيانًا كالتلفون فلو طلبت من أحدٍ أن يدعو لك في التلفون فهذا لا بأس به لأنه في حكم الحاضر إلا أن تركه أولى سدًا للذريعة ، وكذا لو أرسلت إلى أحدٍ رسالة وطلبته الدعاء فيها فإنها تصله ويقرأها فهذا لا بأس به - إن شاء الله - وتركه أولى سدًا للذريعة وخروجًا من الخلاف وبناءً عليه فلا يجوز أن تطلب الدعاء من غائب عنك ليس بحاضر لا حقيقة ولا حكمًا إذ الغائب كيف يسمـع دعاءك إلا إن كنت تعتقد أنه يعلم الغيب فهذا شرك - والعياذ بالله تعالى - قال تعالى : } قل لا يعلم من في السموات ومن في والأرض الغيب إلا الله { إذًا أنت ما دعوته وهو غائب عنك إلا لاعتقادك فيه أنه يعلم الغيب . وأما الشرط الثالث : فهو أن يكون المدعو قادرًا قدرة حسية على الدعوة لك ، وكل يقدر على دعاء الله تعالى إلا الأموات . وبعضهم يزيد شرطًا رابعًا : وهو أن يكون المدعو صالحًا وهذا شرط طبعي إذ لا يطلب أحدٌ أحدًا الدعاء إلا لأنه يتوسم فيه الإجابة فكل يبحث بنفسه عن الأصلح لأنه ادعى أن تجاب دعوته ، إلا أن المخافة ممن يتظاهرون بالصلاح كمشائخ الصوفية الضالين ونحوهم ، فإذا توفرت هذه الشروط جاز حينئذ أن يطلب منه الدعاء إلا أن هنا مسألة هل الأولى هو طلب الدعاء من الغير أم أن تركه أولى ؟
الجواب : أن هذا يختلف باختلاف نية الطالب إن كان قصده هو انتفاعه بدعاء المدعو فهذا خلاف الأولى فإنه لم يكن من عادة السلف ذلك ، إلا أنه جائز مباح إلا إذا كان المقصود انتفاع العامة فيرغب فيه وعليه يخرج طلب عمر من العباس أن يستسقي لهم لأن المنفعة هو العامة وليس عمر وحده ، وإن كان الطالب يقصد أن ينفع المدعو بأن يكون سببًا لدعاء الملائكة له فقط فهذا هو ما فعل الرسول - e - مع عمر لما قال له : (( لا تنسنا من صالح دعائك )) فإن النبي - e - غني عن دعاء عمر وإنما يريد نفع عمر بذلك لأنه ما دعى أحد لأخيه في ظهر الغيب إلا وكل الله له ملَكًا يجيبه : (( ولك بالمثل )) ، ونكتفي بهذا الكلام حتى لا نطيل فنخرج عن المقصود . والله أعلم .
|