الإيمان : قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان

القاعدة الحادية والثلاثون

الإيمان : قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان

 

هذه القاعدة هي من أعظم معتقدات أهل السنة والجماعة والتي خالفوا بها كثيرًا من الفرق الضالة ، وكل جزئية من جزئيات هذه القاعدة لها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة ، فالإيمان عند أهل السنة والجماعة مبني على ثلاث ركائز :

الركيزة الأولى : الاعتقـاد بالقلب : وهـو مـن أهم ركائـز الإيمان ولذلـك قـال النبـي - e - لما سأله جبريل عن الإيمان قال : (( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )) ، وقبل ذلك قوله تعالى : } يا أيها الذين آمنوا  آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ... { الآية ، وقال تعالى : } إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا { ، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جدًا .

الركيزة الثانية : قول باللسان : وهو في المرتبة الثانية بعد الاعتقاد بالقلب ولا يغني أحدهما عـن الآخر أبـدًا ، بـل لا بد منهما جميعًا إذ الاعتقاد بلا إقرار لا يعد إيمانًا والإقرار بلا اعتقاد وهو عين النفـاق ، قـال تعالى : } قولوا آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل ... { الآية [ في سورة آل عمران ] وكذلك سورة البقرة ، فأمر الله تعالى فيهما بالقول أي بالنطق بالإيمان ولم يكتف بمجرد الإقرار ، وكذلك قوله تعالى : } فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون { فأمرهم بالنطق بالإسلام ، ومنه قول النبي - e - : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله )) وفي حديث ابن عمر : (( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله )) فعلق عصمة الدم والمال والنفس على النطق ولم يكتف بمجرد الاعتقاد .

واعلم أن هذه الركيزة أخرجتها من مسمى الإيمان الأشاعرة والماتريدية ؛ لأنهم قالوا : إن الإيمان هو مجرد الاعتقاد فقط ، والركيزة الأولى وهي الاعتقاد أخرجتها الكلابية فقالوا : إن الإيمان هو مجرد القـول فقط ، فيلزم على هـذا القول أن المنافق نفاقًا اعتقاديًا مؤمن كامل الإيمان ؛ لأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ومما يدل على أهمية الجمع بين الاعتقاد والقول هو قول الله تعالى : } إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون { فهم قالوا بألسنتهم ، لكنهم كذبوا في هذا القول ، ليس لأن المقول كذب ، بل لأن القائل كاذب فيما قال من الحق ، أي هم لم يقولوا كذبًا لكنهم كذبوا في هذه الشهادة بعينها لأنهم شهدوا بما ليس في قلوبهم ولذلك قال تعالى : } والله يعلم إنك لرسوله { فلما كذبهم في شهادتهم ؛ لأنهم لم يعتقدوا فدل ذلك على أهمية ارتباط القلب باللسان .

الركيزة الثالثة : العمل : وهي ركيزة مهمة إلا أنها ليست كالركيزتين الأوليين ، فالأعمال من الإيمان ولاشك ، دل على ذلك الكتاب والسنة قال تعالى : } وما كان الله ليضيع إيمانكم { أي صلاتكم ؛ لأن الصحابة لما حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة قالوا : كيف بإخواننا الذين ماتوا قبل ذلك كيف بصلاتهم فأنزل الله هذه الآية فسماها إيمانًا وهي عمل مما يدل على أن الأعمال داخلة في الإيمان ، وكذلك قوله - e - : (( الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من شعب الإيمان )) متفق عليه ، ومسلم : (( فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناهـا إماطـة الأذى عـن الطريـق )) فعـد إماطـة الأذى عـن الطريق إيمانًا وكذلك قوله - e - لوفد عبد القيس : (( أتدرون ما الإيمان )) . قالـوا : الله ورسولـه أعلم . قال : (( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس )) وهذه كلها أعمال فجعلها إيمانًا ، والأدلة على ذلك كثيرة مذكورة في غير هذا الموضع فالمقام مقام اختصار لا بسط والمهم أن تعرف أن أهل السنة والجماعة يقولون : إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، وأن المرجئة أخرجوا العمل والأشاعرة والماتريدية أخرجوا العمل والقول ، والكلابية أخرجوا الاعتقاد والعمل ، وأما الجهمية فقالوا : إن الإيمان هو مطلق المعرفة فمن عرف الله عزوجل فهو مؤمن كامل الإيمان وهذا قول يلزم عليه لوازم كثيرة باطلة ويكفي في بطلانه أن فرعون الطاغية وإبليس المطرود ومؤمن كامل الإيمان . قال   الناظم :

إيماننا عقد وقول هكذا          عمل فتلك ركائز الإيمان

والرد على هذه الأقوال مذكورة في كتب المطولات وإنما القصد التقعيد والله تعالى أعلى    وأعلم 

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان