القاعدة الرابعة والثلاثون
الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا
اعلم أن النص الذي لا يرد فيه إلا ذكر الإيمان فقط فإنه يدخل فيه الإسلام والنص الذي لا يذكر فيه إلا الإسلام فإنه يدخل فيه الإيمان ، ومن ذلك قوله تعالى : } إن الدين عند الله الإسلام { فإنه يدخل فيه الإسلام نصًا والإيمان تبعًا ، ومنه قوله تعالى : } ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه { أي الإسلام والإيمان ، ومنه قوله - e - لوفـد عبـد القيـس : (( هـل تدرون ما الإيمان )) . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : (( شهادة أن لا إلـه إلا الله وأن مـحمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتـاء الزكـاة وصـوم رمضـان وأن تعطـوا مـن الـمغنم الخمس )) وهذه أركان الإسلام فأراد بالإيمان ، الإيمان والإسلام ، وهذا معنى قولنا : إذا افترقـا اجتمعـا أي إذا لم يذكـر إلا أحدهمـا فإنـه يدخل فيـه الآخر الـذي لـم يذكـر تبعًا وهذا واضح .
وإذا اجتمعـا افترقـا أي إذا ذكـرا في نـص واحـد فـي سيـاق واحـد فإنهما يفترقان أي كل واحد منهما يأخذ معنى آخر فيأخذ الإسلام معنى الأعمال الظاهرة ويأخذ الإيمان معنى الأعمـال الباطنـة ولا أدل على ذلك مـن قولـه تعالى : } قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا { فنفى عنهم الإيـمان وأثبت الإسـلام ، وكذلك يدل على ذلك حديث جبريل فقد ذكر أن الإسـلام هـو الأعمـال الظاهـرة وأن الإيـمان هو الأعمال الباطنة ، وهذه القاعدة ليست خاصة بلفـظ الإيـمـان والإسـلام ، بـل تدخـل فـي ألفاظ كثيرة ذكرها الشيخ أبو العباس في كتاب ( الإيـمان مـن الفتاوى ) ، فمنهـا لفظ الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا ، فيكون الفقير أشد حاجـة مـن المسكين ومنـه قوله تعالى : } إنما الصدقات للفقراء والمساكين { فقدمهم الله تعالى لشدة حاجتهم وأما المسكين فقد يـجد شيئًا ، لكن لا يكفيه ، بل قد يملك شيئًا لا يملكه غيره قال تعالى : } أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر { فهم مساكين وعندهم سفينة إلا أنهم لا يجدون منها كفايتهم . ومنه لفظ الشرك والكفر فإذا اجتمعا فيكون معنى الشرك هو : اتخاذ الند لله تعالى يصرف له مـا لا يجوز صرفـه من العبادات ، والكفر معناه : إنكار معلوم من الدين بالضرورة ، كإنكار وجـوب الصـلاة ونحوها ، قال الناظم :
والسلـم والإيمـان إذ يتفرقا في النص قل شيئان متفقـان
وإذا رأيتهـم بنـصٍ واحـدٍ فإذا همـا شيئـان مختلفـان
فالسلم في عمل الجوارح يا فتى وكذاك في عمل القلوب الثاني
والله أعلم .
|