القاعدة الخامسة والثلاثون
أهـل السنة والـجماعـة لا يسلبـون مرتكب الكبيـرة مطلـق الإيمـان ولا يعطونـه الإيمان المطلق
إن من القواعد المفيدة لطالب العلم هو التفريق بين مطلق الشيء والشيء المطلق ، فإذا قيل الشيء المطلق فيدخل فيه كل ما يطلق عليه هذا الشيء فإذا قلنا الإيمان المطلق فيدخل فيه كل ما يسمى إيمانًا ، وإذا قلنا المعرفة المطلقة فيدخل فيه كل ما يسمى معرفة ، وإذا قلنا المحبة المطلقة فيدخل فيه كل ما يطلق عليه محبة ، وإذا قلنا التوكل المطلق فيدخل فيه كل ما يطلق عليه توكل وهكذا ، وأما قولنا مطلق الشيء فإن يدخل فيه أدنى ما يطلق عليه هذا الشيء ، فإماطة الأذى عن الطريق من مطلق الإيمان ، وأدنى درجات التوكل أن يقال لها : مطلق التوكل ، وأدنى درجات المحبة يقال له : مطلق المحبة ، إذا عرفت هذه القاعدة أعني قاعدة الفرق بين مطلق الشيء والشيء المطلق فإنها تعتبر قاعدة كبرى يدخل تحتها قواعد كلية ومنها هـذه القاعدة التي معنـا فأهل السنـة والـجماعة يحكمون على مرتكب الكبيرة بحكمين :
الأول : أنهم لا يسلبونه مطلق الإيمان أي لا يقولون إنه ليس معه أدنى درجات الإيمان كما تقوله الخوارج والمعتزلة ، بل معه من الإيمان مطلقه ، أما الخوارج والمعتزلة ويقال لهم : الوعيدية فإنهم يسلبونه مطلق الإيمان ولذلك حكموا عليه بالكفر وبالمنـزلة بين المنـزلين ، وهذا مخالف للأدلة الشرعية ، وهم كذلك أعني أهل السنة والجماعة لا يعطونه الإيمان المطلق أي لا يحكمون له بالإيمان الكامل ، بل يعطونه إيمانًا ناقصًا بقدر هذه الكبيرة ة، بخلاف المرجئة الذين يعطونه الإيمان المطلق وهو مخالف للأدلة الشرعية فصارت المذاهب عندنا في مرتكب الكبيرة كما يلي :
أهل السنة : لا يسلبونه مطلق الإيمان ولا يعطونه الإيمان المطلق ، والخوارج والمعتزلة : يسلبونه مطلق الإيمان ، والمرجئة تعطيه الإيمان المطلق وقد ذكرنا ذلك في القاعدة السادسة فارجع إليها ، قال الناظم :
والفـاسق الـملي بالعصيــان لا يسلبـن مطلـق الإيـمـان
كـذلكـم لا يعطـيـن مطلقـه من دون تقييـد بمـا قـد فسقه
بـل مـؤمـن بباقـي الإيـمان وفـاسـق بالفـسـق والعصيان
وأماني الآخرة فأهل السنة يجعلونه تحت المشيئة إن شاء غفر الله له وإن شاء عذبه بذنوبه ثم يدخله الجنة ، وأما الخوارج والمعتزلة فإنهم يقولون هو خالد مخلد في النار - وتقدم هذا الكلام في قاعدة الوسطية - ، والله أعلى وأعلم .
|