لا يجوز الاحتجاج بالقدر إلا في المصائب لا المعائب

القاعدة الثامنة والثلاثون

لا يجوز الاحتجاج بالقدر إلا في المصائب لا المعائب

 

ونعني بالمعائب أي المعاصي فلا يجوز أن يعصي الإنسان ويحتج بالقدر فيها فيقول : أنا عصيت بقدر الله ، وإلا لو كان الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية حجة مقبولة لفسدت الشرائع ولجاز لكل عاصٍ أن يقول : أنت الذي قدرت على فعل هذه المعصية ولذلك أبطل الله تعالى بالقدر في كتابه الكريم لما احتج به المشركون فقال تعالى :  } وقال الذين أشركوا لو شاء الله مـا أشركنـا ولا أباؤنا ولا حرمنـا مـن شيء { فكـذبـهـم الله تعـالـى فـي هـذه الـحجة الداحـضة فقال : } كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا { واحتج سارق على عمر فقال : سرقت بقدر الله . فقال عمر : وأنا أقطع يدك بقدر الله ، ولأن الإنسان له مشيئة وقدرة واختيار ولا يعلم قبل فعل المعصية هل الله قدرها عليه أم لا ، ولأننا نرى الناس يحتجون بالقدر في أمور الخير فلم نسمع أحدًا صلى ركعتين وقال : صليت بقدر الله ، بل لا يحتجون بالقدر إلا على الاستمرار في المعصية ، وكذلك لا نرى الناس يحتجون بالقدر في أمور الدنيا فلا ينام أحدهم في بيته ويقول : إن كان الله قد كتب أن آخذ الراتب آخر الشهر فسيكون ولا يقول أحدهم أنا لن أتزوج وإن كان الله تعالى قد كتب أنه سيكون لي أولاد فسيكون ولو بلا     زواج ، بل الناس لا يصفون من يقول هذا إلا بأنه مجنون فكيف يحتج بالقدر على ترك العمل في أمور الآخرة ولذلك لا يجوز الاحتجاج بالقدر على الشرع أبدًا ، وإذا علمت هذا فاعلم أن الذين يجوزون الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية يحتجون بحديث أبي هريرة الذي رواه مسلم من أن آدم احتج على موسى بأن الله هو الذي قد عليه أن يأكل من الشجرة فقال : ( أفتلومني على أن عملت عملاً قـد كتبـه الله علـي أن أعمله قيل أن أخلق بأربعين سنة ) . قال الرسول - e - : (( حجج آدمُ موسى )) فالأكل من الشجرة كان معصية ومع ذلك احتج آدم على فعل هذه المعصية بقدر الله ، فنقول لهم : بل هذه حجة عليكم لا لكم ، وبيانه من وجهين :

الأول : أن آدم لم يحتج على موسى بالقدر لأنه أكل من الشجرة وإنما لأنه خرج من الجنة فهو احتج بالقدر على مصيبة لا معصية فإن موسى قال له : ( أخرجتنا من الجنة بخطيئتك ) هذا أولاً .

وثانيًا : أن آدم تاب من هذه المعصية وعلى ذلك نقول : يجوز الاحتجاج بالقدر على المعصية إذا تاب الإنسان منها فإذا تاب الإنسان من المعصية وقيل : لم عصيت فله أن يقول : عصيت بقدر الله ، لكن المحظور هـو أن يـحتج الإنسـان بالقـدر على معصية لا زال مواقعًا لها حتى يبرر موقفه أمام الناس .

أما المصائب فيجوز أن يحتج الإنسان بالقدر عليها فإذا أصابت الإنسان مصيبة فله أن يقول : أصابتني بقدر الله تعالى وعليه قوله - e - : (( إذا أصابك شيء فلا تقل لو أنه كان كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل )) . قال الناظم :

قل ليس في القدر المقدر حجة         كي يستمر على الذنوب الجاني

لكنـه عند المصائب فرجـة         أو عند توبتـنا من العصيـان

 والله تعالى أعلى وأعلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان