أهل السنة لا يكفرون المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع

القاعدة الأربعون

أهل السنة لا يكفرون المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع

 

اعلم أن التكفير إما ينصب على الأفعال وإما على الأشخاص فأما إن انصب التكفير على الفعل فهذا جائز ولا بأس به ، بل هو منهج السلف فإن السلف يحكمون على الأفعال وقليلاً ما يحكمون على الأشخاص ومثال الحكم على الفعل كقولهم : من قال إن القرآن مخلوق فقد كفر ، ومن شبه الله بخلقه فقد كفر ومن أنكر شيئًا مما وصف الله به نفسه كفر ومن ترك الصلاة تهاونًا وكسلاً فقد كفر وهكذا ، فهذا الأمر جائز لا بأس به ، وأما تكفير الأشخاص فهذا هو الذي خاف منه السلف وحذروا منه لأن الحكم بالتكفير ليس حكمًا سهلاً ، بل إنه يلزم عليه لوازم عظيمة من حرمان ورثته الميراث وعدم دفنه في مقابر المسلمين وعدم الترضي عليه ولا يغسل ولا يكفن ولا يدعى له بالرحمة ولذلك أعظم السلف هذا الأمر أشد الإعظام وهابوا منه أشد الهيبة .

ولذلـك وضعــوا لتكفيره شروطًا وموانعًا إذا تحققت جميعها وانتفت الموانع فيجوز    حينئذٍ ، وهذه الشروط هي : أن يكون فاعل الكفر بالغًا وبناءً عليه فلو فعله صغير لم يكلف فلا يحكم عليه بالكفر لأن القلم مرفوع عنه ، ومن الشروط : أن يكون عاقلاً وبناءً عليه لو فعل المجنون كفرًا فلا يحكم عليه بأنه كافر إذ لا تكليف عليه ، والقاعدة تقول لا تكليف إلا بعقل وفهم خطاب ، ومن الشروط : أن يكون عالماً ذاكراً بالحكم فإن فعل الكفر وهو جاهـل بأنه يكفر فـلا يحكم عليه بالكفـر لأن تكليف النفس بـما لا تعلم تكليـف لا يطاق وقد قال تعالى : } لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها { وقـال : } ربنا لا توآخذنا إن نسينا أو    أخطأنا { ، ومـن الشروط : أن لا يكون مكرهًا فإن كان مكرهًا على قول الكفر أو فعله فلا يكفر لأن الإكراه مسقط للتكليف قال تعالى : } من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان { ، ومن الشروط كذلك : أن لا يكون متأولاً فإن فعل أو قال كفرًا متأولاً فإنه لا يكفر ، بل تقام عليه الحجة الرسالية . فهذه الشروط التي نعرفها عن العلماء وقرأناها في    كتبهم ، واعلم أن ضد كل شرط مانع من الموانع فضد البلوغ الصغر فالصغر مانع ، وضد العقل الجنون ، وضد العلم الجهل ، وهكذا بقية الشروط ، فإذا توفرت هذه الشروط وانتفت الموانع فلا يؤاخذ الإنسان إذا حكم حينئذٍ بالكفر وقد ثبت عن السلف تكفير بعض المعينين فشيخ الإسلام ثبت عنه تكفير ابن عربي الطائي الحلولي وابن سينا الملحد الزنديق ، وغيرهم ، واعلم أنه لا يكفي في قيام الحجة بلوغها ، بل لابد من بلوغها وفهمها ، والله تعالى أعلى وأعلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان