الحق يقبل ممن جاء به والباطل يرد ممن جاء به

القاعدة التاسعة والأربعون

الحق يقبل ممن جاء به والباطل يرد ممن جاء به

 

وهذه قاعدة عظيمة ومهمة تقتل شهوة النفس وتبين تقديم الشرع على الهوى ومقدار التعصب في كل أحد ، إذا علمت هذا فاعلم أن الحق المذكور هو ما وافق الدليل والباطل هو ما   خالفه ، فكل شيء وافق قول الله أو قول رسوله - e - فهو حق وكل شيء خالفهما فهو باطل ، ثم اعلم أن أهل السنة والجماعة يقبلون الحق لذات الحق أي لأنه حق بغض النظر عن الذي جاء بالحق أحرٌّ هو أم عبد صالح أم طالح أبشر أو جن المهم أنه حق فالحق مقبول ممن جاء ، وكذلك الباطل فإنهم يردونه لذاته بغض النظر عمن جاء به ، فهو مردود إن جاء به أصدق الناس لأنه باطل ، والحق مقبول وإن جاء به أكذب الناس لأنه حق فلذلك نجد الله تعالى قبل الحق من المشركين وذلك في قوله : } وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء { فهم احتجوا على فعلهم للفاحشة بأمرين : الأول : أنهم وجدوا عليها آباءهم ، والثانية : أن الله تعالى أمرهم بها ، ولكن الجواب لم يأت إلا عن حجة واحدة وهي قولهم : ( والله أمرنا بها ) فأين الجواب عن الثانية ؟

إنه ليس هناك جواب عنها فهي حق فهم وجدوا آباءهم على هذه الفواحش من الشرك وغيره والحق يقبل ممن جاء به فالله تعالى قبل الحق الذي قاله المشركون ، وكذلك رسوله - e - قبل الحق الذي جاء به الشيطان والشياطين من أكذب خلق الله تعالى وذلك في حديث أبي هريرة : والشيطان يأخذ من الزكاة ثلاثة أيام وكل مرة يهم يرفعه لكنه يعتذر إليه خير ويتركه ويرفع الأمر إلى رسول الله - e - فيقول : (( كذبك وسيعود )) وفي المرة الأخيرة قـال هـذا الشيطان لأبي هريرة : ألا أخبرك بشيء إذا قلته لا نأتيك . قال : بلى . قال : تقرأ آية الكرسي حتى تختمها فرفع الأمر إلى رسول الله - e - فقال : (( صدقك وهو كذوب )) أي أن الذي قاله حق فاقبله لكن أصله أنه كذوب ، لكن كذبه هذا لم يكن سببًا لرد ما جاء به من الحق ، ولو قال لنا الشيطان : إن الله واحد أحد فرد صمد ، لقبلنا منه هذا الكلام ليس قبولنا لكلامه لأنه كلامه وإنما قبلناه لأنه حق موافق الدليل .

إذًا بهذه القاعدة تعرف خطأ كثير من الناس - هداهم الله - من أنهم إذا وجدوا على عالمٍ أو شخصٍ خطأ من الأخطاء فإنهم يجعلون هذا الخطأ عذرًا لرد ما معه من الصواب فتراهم إذا قيل صوابًا ونسب إلى هذا الرجل تتغير وجوههم ويقولون كيف تنقلون من المبتدع الفلاني أو ليس عنده من الأخطاء كيت وكيت ، وهذا مخالف لمنهج السلف ، بل تحامق بعضهم وتمادى به حمقه إلى أن أحرق الكتب التي يجد فيها خطأ من بين ألف صواب وهذا والله منهج خطير إذ من يروم العصمة من الخطأ في الفروع والعقيدة بعد رسول الله - e - فكلنا خطاءٌ ، بل الخطأ طبع في الإنسان ومن يسلمُ لنا إذا جعلنا شرط قبول الصواب من أحدٍ هو عدم خطأه ، بل هذا الذي يبحث عن الأخطاء هو نفسه خَطَّاءٌ فبحثه عن الخطأ ليفضح لا لينصح خطأ حَدِّ ذاته ، ولا يفهم أننا نتميع في العقيدة ـ فإن هذا من سوء الظن ، بل المراد هو أن نقبل الحق الموافق للدليل ممن جاء به ورد الباطل المخالف للدليل ممن جاء به والبحث عن الأشخاص والحكم عليهم بخطأهم له موضع آخر وليس هو من دأبنا ولله الحمد ، بل دأبنا الستر على أخطاء العلماء إلا ما اقتضت النصيحة لله وللمسلمين بإخراجه فنخرجه ولا نخاف في الله لومة لائم ، فنحن ندع العلماء والحكم عليهم للعلماء ونتمثل دومًا قول القائل : ( من لم يبصر عيوب نفسه عميت عينه عن محاسن غيره ) ، والله أعلى وأعلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان