العدل أكبر مقاصد الشرع

القاعدة الخمسون

العدل أكبر مقاصد الشرع

 

وهذه القاعدة تبين أن هذه الشريعة وسط بين الجافي والغالي وبين الـمُفْرِطْ والـمُفَرِّطْ ، وذلك أن العدل من أكبر الأشياء التي اهتمت بتقريرها هذه الشريعة العظيمة ، فالتوسط سمة ظاهرة في هذا الدين وفي هذه الأمة حيث حضها الله تعالى بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب فالشرع مبناه على العدل والاقتصاد ، والتوسط الذي هو خير الأمور وأعلاها كالفردوس الذي هو أعلى الجنة وأوسط الجنة فمن كـان في اعتقـاده وعبادتـه معتدلاً فمصيره إليها - إن شاء الله تعالى - .

وأدلة هذه القاعدة كثيرة جدًا ، فمنها قول الله تعالى : } وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على النـاس ويكـون الرسول عليكم شهيدا { والوسطية هنا من أعظم ما تـمتاز بـه هـذه الأمة - زادها الله تعالى شرفًا ورفعة - ، قال العلماء : أي خيارًا عدولاً ، وكذلك حديث أنس قال : جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي - e - يسألون عن عبادته فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها فقالوا : وأين نحن من رسول الله  - e - فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما   تأخر . قال أحدهم : ( أما أنا فإني أصلي الليل ولا أنام أبدًا ) . وقـال آخـر : ( أنا أصوم الدهر ولا أفطر ) . وقال آخـر : ( أنا أعتـزل النسـاء فلا أتزوج أبدًا ) ، فجاء رسول الله - e - فقال : (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم منه وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )) متفق عليه ، وهذا الحديث ظاهر الدلالة في أن المطلوب هو العدل في العبادة فلا إفراط كما قال هؤلاء ولا تفريط فتترك التطوعات وإنما الموازنة فيقوم وينام ويصوم ويفطر ويتزوج النساء فلا رهبانية في الإسلام ، هذا والله هو عين العدل ، ويؤيده أيضًا قوله - e - : (( إن لربك عليك حقًا وإن لنفسك عليك حقًا وإن لأهلك عليك حقًا فـآت كل ذي حقٍ حقه )) فلا يطغوا حق على حق ، ويؤيده أيضًا نهيه - e - لعبد الله بن عمر بن العاص عن صيام الدهر ورخص له بعد المراجعة في أن يصـوم يومًا ويفطر يومًا ، ويؤيده أيضًا حديث بريدة الأسلمي قال : قال رسول الله - e - : (( عليكم هديًا قاصدًا فإنه من يشاد الدين يغلبه )) أخرجه أحمد في المسند ، وحديث أبـي هريـرة : ( سددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلـجة ) فهـذه الأحاديث وغيرها دالـة على أن الـمشروع المأمور به الذي يحبه الله ورسوله - e - هو الاقتصاد والعدل في العبادة وكذلك الاعتقاد وما خرج عن حد الاعتدال فهو مذموم سواء كان إلى التفريط أو إلى الإفراط وهذه القاعدة يتفرع عليها فروع كثيرة منها : أن ما عليه الصوفية الآن من الضلال الواضح ليس من دين الله تعالى في شيء يحملون أنفسهم أوزارًا من العبادات ليس لها خطام ولا زمام فتراهم يثقلون كاهلهم بذلك فيسيح أحدهم في البراري ويعاشر الأفاعي والوحوش ويطيل الصمت كل هذا حتى يصل إلى مرتبة الكشف وخوارق العادة فهذا الفعل ليس من الدين في شيء ؛ لأنه خروج عن العدل وبعضهم يصلي في الليلة ألف ركعة أو أكثر أو أقل وهذا تحميل للنفس ما لا تحتمل فإنه      - e - لم يكن يزيد على إحدى عشرة ركعة وهو أخشانا وأتقانا .

ومن ذلك أن من أسرف على نفسه بسرد الصيام ومداومة قيام الليل حتى أضعفه ذلك عن القيام بالواجبات فهو مخطئ آثم مستحق للعقاب .

ومن ذلك اعتقاد أهل السنة في الولاة فهو بين طرفين جافٍ وغالٍ فالجافي أطاعهم في المعصية ، والغالي أمر بالخروج عليهم بمجرد الكبائر والمعتدل قال : لا طاعة لهم فيما إذا أمروا بمعصية ولا يجوز الخروج عليهم بمجرد الكبائر إلا إذا رأينا كفرًا عندنا فيه من الله برهان وغلب الظن النصر وإلا فلا وقد تقدم طرف من الفروع في قاعدة الوسطية . والله أعلم .

جميع الحقوق محفوظة الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ وليد بن راشد السعيدان