القاعدة الثانية والأربعون :- استفتاح قلوب المدعوين بكثرة الدعاء سبب للتوفيق في الدعوة .
أقول :- إن المتقرر في الشريعة أن القلب ملك الأعضاء، وأنها تصلح بصلاحه ، وتفسد بفساده ، وأن القلب إن كان متوجها للخير ومريدا له توجهت الأعضاء للخير وأحبته ، وأنه هذه الأعضاء لا يمكن أن تشتغل إلا بما امتلأ به القلب ، فحيث كان القلب بهذه المنزلة الكبيرة والرتبة الرفيعة صار لزاما على الداعية أن ينصب اهتمامه في المقام الأول على هذه المضغة ، وإن أعظم ما يفتحه للخير والدعوة هو الدعاء ، فكثرة الدعاء من أكبر الأسباب الموجبة إن شاء الله تعالى لانشراح الصدور وانفتاح القلوب فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، كما قال صلى الله عليه وسلم " إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يقلبها كيف يشاء ... الحديث " وعمى القلوب موجب للضلال والتيه ، كما قال تعالى ] أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [ والمتقرر أن الدعاء هو العبادة ، وأنه سلاح المؤمن على وجه العموم والداعية على وجه الخصوص ، فلا يتمكن الداعية من نفوذ دعوته إلا بفتح هذا القلب ، والدعاء من الأسباب الكبيرة في فتح هذه المضغة ، فحاول بارك الله فيك أن تكثر من الدعاء قبل أن تبدأ الدعوة ، حتى تنشرح لك الصدور وتسيل بين يديك القلوب وتصغي لدعوتك الآذان ، وقد دعا موسى عليه الصلاة والسلام قبل ذهابه إلى فرعون بما قال الله تعالى فيه ] اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [ وهذا تربية للدعاة إلى الله تعالى على أهمية الدعاء قبل الدعوة ، فكثرة الدعاء والإلحاح في السؤال سمة راسخة من سمات الدعاة لا ينفكون عنها لحظة، وهذا سر نجاحهم، ومن لم يلح في دعائه فليس على السبيل والسنة؛ فأكثر من التضرع إلى المولى جل وعلا أن يلهمك الحق ويوفقك للعمل به, وأن يرزق نفسك الثبات وحسن التصرف والتدبير، لأن المتضرع إلى ربه متبرئ من حوله وقوته، متوكل على الله مفوض أمره إليه، وإذا تولاه الله رزقه حسن التصرف، وفي ذلك نجاح دعوته ، والله تعالى يحب الملحين في الدعاء ، وفي الحديث " الدعاء هو العبادة " وفي مأثور الدعاء " إن المتتبع لنصوص الشرع ليجد بدون فكر أو تأمل أن قضية الدعاء تحتل أهمية قصوى في سياق ما وصى به الشرع ، كما تجد مساحة واسعة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تنبيك بالقطع أن القوم كانوا يعولون على هذا الأمر جل مشكلاتهم ، وهو سلاح ماض ، وعدة عتيدة ، ووسيلة موصلة ودرب نافذ ، وسالكه مفلح ورابح في كل الأحوال , وقد علم سلفنا الصالح قوة هذا السلاح فاستعملوه في كل شئون حياتهم ، فليكن الدعاء إذا تخصصا من التخصصات التي ينبري لها الغيورون على دين الله ولتكن تلك الأيدي الضارعة سيوفا مصلتة على هام أعداء الدين ، ولتكن تضرعاتها صرخات نذير في وجوه الكافرين .والذي يجب أن نحشد له اعتقاد الناس : توثيق اليقين بالله تبارك وتعالى ، وحسن الظن به ، والتعويل على نصرته ، فيدعوا الناس ربهم حال كونهم على يقين أن دعاءهم ينفع كما ينفع المال والسلاح وكل مئونة محسوسة .وقد نطق بذلك الوحي كتابا وسنة ، فقد قال تعالى ] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " رواه الترمذي والحاكم وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع .وما أحوج الدعوة إلى مثل أصبع محمد بن واسع رحمه الله تشكو إلى الله غربة الدين ، وتستنزل نصره ومدده . وما أحوجنا إلى ذاك الخفي النقي التقي الضعيف المتضعف الذي لو أقسم على الله لأبره ، فالدعاء الدعاء أيها الدعاة الكرماء ، فالله الله بالانطراح بين يديه ، وكمال التوكل عليه ، فالفرج قريب ، والقلوب بيده بين أصبعين من أصابعه ، ولا تملوا من كثرة الدعاء ولا تستأخروا الإجابة والفرج ، وقوموا لله تعالى جماعات ووحدانا متضرعين أن يهدي ضال المسلمين ويثبت مطيعهم ، وأن يفتح لنا القلوب ويشرح لدعوتنا الصدور وأن يوفقنا لكل ما فيه نصرة دينه وإعلاء كلمته ، وإعزاز شريعته ، والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وهو أعلى وأعلم .
التعليقات