القاعدة الخامسة والخمسون :- من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، والعكس بالعكس .
أقول :- وهي نص حديث في الصحيح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال " مَنْ دعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثْلُ أجور مَنْ تَبِعَهُ لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئا " أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود . وقال عليه الصلاة والسلام " مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء ، ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده ، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء " والدعوة إلى الله هي التي من أجلها شرّف الله بها أمة الإسلام جميعاً فجعلها بذلك خير أمة أخرجت للناس، لأنها حملت رسالة الله إلى العالمين، وجاهدت بها كل الأمم فهم خير الناس للناس، فالداعي إلى الله جل وعلا يُعطي مثل أجور من هداه الله على يديه ولو كان آلاف الملايين ، فيا لها من نعمة عظيمة ، فاغتنم هذا الخير العظيم وسارع إليه ، وقد ثبت في الصحيح أن من فضل الدعوة أنه إن اهتدى على يديك رجل واحد فهو خير لك عند الله تعالى من حمر النعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " فأي فضل هذا الفضل العظيم ، ومن فضلها أنها هي وظيفة رسل الله جميعاً، ومن أجلها بعثهم الله تعالى إلى الناس كافة، فكلهم بلا استثناء دعوا أقوامهم ومن أرسلوا إليهم إلى الإيمان بالله وإفراده بالعبادة على النحو الذي شرعه لهم، ونفيها عمن سواه وهو معنى ومقصد لا إله إلا الله ، ومن فضلها شهادة الله تعالى بأن أصحابها هم أحسن الناس قولا ، كما قال تعالى ] وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [ أي لا أحد أحسن قولا منه ومن فضل الدعوة والدعاة أنّ الداعية إلى الله جل وعلا ومعلم الناس الخير يصلي عليه الله وملائكته ويستغفر له كل شيء حتى الحيتان في جوف الماء، قال عليه الصلاة والسلام " إن الله وملائكته وأهل السماء والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر يصلون على معلم الناس الخير " واعلم رحمك الله تعالى أن من أعظم أسباب مغفرة الذنب أن تدعو إلى الله جل وعلا؛ لأن الدعوة إلى الله جل وعلا حسنات إذا أخلصت وصدقت والحسنات يذهبن السيئات " وأتبع السيئة الحسنة تمحها " ] وأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [ قال علماء الأصول: ] إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [ قاعدة فجعل تكفير الصلاة للسيئات تبعا للقاعدة وليست مقتصرة على تكفير الصلاة للسيئات، فالحسنة تذهب السيئة والدعوة إلى الله جل وعلا فيها هذا الفضل العظيم وقال عليه الصلاة والسلام " من دل على هدى فله مثل أجر فاعله " فهذه الأدلة وغيرها كثير فيها دليل على فضل الدعوة إلى الله وعلى تبليغ كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وإنك عندما تبلغ هذه الدعوة إلى الآخرين فلك الأجر والثواب على هذا العمل الذي قمت به وستجد ذلك عندما تعرض أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة" قلنا: لمن ؟ قال " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" فالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من النصيحة التي دعانا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ممارستها فيما بيننا. ويكفي الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى فخراً وعزاً وتاجاً على رؤوسهم أنهم يحملون ميراث النبوة روي عنه صلى الله عليه وسلم "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما ورثناه صدقة وإنما ورثنا العلم فمن أخذه أخذ بخط وافر" فإذن الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى على مر العصور والأزمان هم الذين يحملون هذا التاج الرفيع وهذا السلم العظيم ألا وهو حمل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في مشارق الأرض ومغاربها ، وقال تعالى ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [ فبين سبحانه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو على بصيرة، وأن أتباعه كذلك ، فهذا فيه فضل الدعوة، وأن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى سبيله على بصيرة ، والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه ، وفي هذا شرف لهم وتفضيل والله الموفق ، وهو أعلى وأعلم .
وهذه آخر قاعدة أحببت أن أقيدها لك ، أرجو من الله تعالى أن تنتفع بتلك القواعد ، وأن ينشرح لها صدرك ، وتقر بها عينك ، وأن يرزقها القبول العام والخاص ، وأن يجعلها نافعة مباركة خالصة لوجهه الكريم ، وإني لأتمنى ثم أتمنى منك أنك إن استفدت من رسالتي هذه أن ترفع أكف الدعوة لأخيك المقصر العاجز الضعيف ، يا أخي الكريم ، أرجوك لا تبخل على بدعوة من قلبك ، لعلها تكون المنجية إن شاء الله تعالى ، وسواء أكنت حيا أو ميتا ، أرجوك أن تدعو لي بالعفو والمغفرة والجنة ، ولا أرجو بهذه الرسالة لا مالا ولا مدحا ولا ثناء ولا عزا ولا جاها ، وإنما هي من باب التعاون على البر والتقوى ومن باب التناصح بالخير ، ولا فضل لي فيها ، بل الفضل كله أوله وآخره لله تعالى ، ثم لأهل العلم رحمهم الله تعالى ، فأسأل الله تعالى أن يغفر لهم المغفرة الكاملة ، وأن يجزيهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء ، وأن يبارك في علمهم وجهودهم ، وأن يجمع لهم بين الأجر والمغفرة ، وأن يجعل قبورهم روضة من رياض الجنة ، وأن لا يحرمنا من بركة الدعاء لهم ، فإن لهم في قلوبنا المنزلة الكبيرة والرتبة السامية الرفيعة ، ومهما مدحناهم ودعونا لهم فإننا لا نوفي ولا عشرا من معشار حقهم علينا ، فهذه قواعد الدعوة التي جمعتها لك أهديها إليك إهداء المحب لأحبابه الكرام ، فأرجوك أن تتقبل مني هذه الهدية وإني أشهد الله تعالى ومن حضرني ومن يطلع عليها أنها وقف لله تعالى ، فأرجو من الله تعالى أن يتقبلها مني وأن يجعلها عملا صالحا ينفعني في الدارين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وقد وقع الفراغ منه يوم الأحد صباحا ، الموافق للثالث والعشرين من شهر جمادى الآخرة عام إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة ، والحمد لله أولا وآخرا ، وأستغفر الله تعالى وأتوب إليه ، ثم أستغفره وأتوب إليه ، ثم أستغفره وأتوب إليه .
التعليقات