الرئيسية قواعد العقيدة

لا يقرن مع الله غيره في أمور العبادة والمشيئة ويجوز ذلك في غيرها

لا يقرن مع الله غيره في أمور العبادة والمشيئة ويجوز ذلك في غيرها

تاريخ النشر: السبت, 21 يناير 2017 - 03:44 صباحاً | عدد المشاهدات: 5,670
تبليغ عن رابط معطوب

القاعدة الخامسة والخمسون

لا يقرن مع الله غيره في أمور العبادة والمشيئة ويجوز ذلك في غيرها

 

وهذا هو معتقد الموحدين أن أمور العبادة حق محض لله تعالى ليس لأحد فيه شرك أو واسطة ، قال تعالى : } فاعبد الله مخلصًا له الدين ألا لله الدين الخالص { ، وقال تعالى : } وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء { ، فكل ما يتعبد بـه فهـو لله وحـده لا شريك لـه لا يصـرف لا إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل ، فالدعاء والذبح والنذر والتوكل والخشية والرجاء والإنابة والسجود ، ونحو ذلك كله حق لله تعالى فمن صرفه لغير الله فقد أشرك به - نعوذ بالله من الشرك وأهله - .

فإذًا إذا ذكرت أمور العبادة فإنها لا يذكر إلا الله فقط ولا يذكر معه غيره ، فنقول : ندعو     الله ، ونسجد لله ، ونتوكل على الله ، لا تقول ندعو الله والرسول أو نسجد لله وللقبر أو نتوكـل على الله وعليـك وهكذا ، فهـذا لا يجوز ؛ لأنهـا مـن أمـور العبادة وأمور العبادة لا يقرن مع الله فيها غيره ولذلك وردت الآيات والأحاديث تدل على ذلك كما سيذكر في التفريع - إن شاء الله تعالى - ، هذا في أمور العبادة الخالصة لله تعالى ، وأما في غيرها من الأمور فيجوز أن يقرن معه فيها غيره بـ( واو ) الجمع وذلك في المحبة مثلاً ،     فنقول : نحن نحب الله والرسول ، فهذا لا بأس به ؛ لأن محبة الرسول محبةٌ لله ومحبة الله محبةٌ للرسول ، أما محبة التعبد فهذه خاصة بالله تعالى ، وكذلك في الطاعة ، فنقول : نحن نطيع الله والرسول ، وفي الرضى ، فنقول : نحن نريد أن نرضي الله والرسول وهكـذا ، فهـذه ليسـت حقًا محضًا لله تعالى ، بل هي حق لله تعالى والرسول - e - ، إذا علمت هذا فإليك بعض الأمثلة على هذه القاعدة حتى تتضح أكثر :

فمنها : قال تعالى : } ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون { ، فانظر كيف قال : } ما آتاهم الله ورسوله { فقرن اسمه مع اسم الرسول       - e - في الإتيان ، وهو الإعطاء الشرعي من التحليل والتحريم فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه فهو مبلغ عن الله تعالى .

ومثل ذلك قوله تعالى في نفس الآية } سيؤتينا الله من فضله ورسوله { فقرن اسمه باسم رسوله فالإيتاء ليس عبادة محضة لله تعالى على هذا التقرير ، لكن لما جاء أمر العبادة أفرد اسمه ولم يقرن به غيره ، وذلك كما في هذه الآية قال : } وقالوا حسبنا الله { والحسب هو الكافي ، فالله تعالى هو الكافي وحده كما قال : } أليس الله بكافٍ عبده { ولم يقرن اسم الرسول معه في هذا الأمر ؛ لأنه عبادة وهذا واضح .

ومنها : قوله تعالى : } ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فاؤلئك هم الفائزون { ففي هذه الآية ذكر ثلاثة أشياء ذكر الطاعة ، والخشية ، والتقوى ، فقرن اسمه باسم رسوله بـ( واو ) العطف في أمر الطاعة ؛ لأن الطاعة حق لله تعالى وحق للرسول ، وطاعة أحدهما مستلزمة لطاعة الآخر ، كما قال تعالى : } وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول { وقال : } من يطع الرسول فقد أطاع الله { ، أما في أمر الخشية والتقوى فلم يقرن معه أحد ، بل قال : } ويخش الله ويتقه { فالخشية والتقوى حق خالص لله تعالى لا يشرك معه فيه غيره .

ومنها : قوله تعالى : } قل أطيعوا الله والرسول { فقرن اسمه مع اسمه في أمر الطاعة مما يدل على أن الطاعة تكون لله وللرسول كما مضى .

ومنها : قوله - e - : (( من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت )) فالحلف عبادة فلا يجوز أن يقرن مع الله تعالى فيه غيره .

ومنها : قوله تعالى : } والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين { فقرن اسمه مع اسم رسولـه في أمر الرضى مما يدل على أن الواجب هو إرضاء الله وإرضاء رسوله باتباع ما أمر الله ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .

ومنها : قوله - e - : (( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما . . . )) الحديث ، فقرن اسمه مع اسمه في المحبة فالواجب هو محبة هذا ومحبة هذا فالمحبة حق لكليهما .

ومنها : ما رواه قتيلة أن يهوديًا أتى النبي - e - فقال : ( إنكم تشركــون ، تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون : والكعبة . فأمرهم النبي - e - إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : ورب الكعبة ، وأن يقولوا : ما شاء الله ثم شئت ) رواه النسائي وهو حديث صحيح .

وكذلك قوله - e -لما قال له رجل : ( ما شاء الله وشئت ) . قال : (( أجعلتني لله ندًا ،    قل : ما شاء الله وحده )) رواه النسائي ، فهذه المشيئة حق لله تعالى فلا يجوز أن يقرن مع الله فيها غيره كائنًا من كان ، ولعل القاعدة تكون قد اتضحت وبانت معالمها ، ولا يبقى عندنا فيها إلا إشكال واحد فقط وهو : أن بعض الناس يجوز التوكل على الأولياء والصالحين ويحتج بقوله تعالى : } يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين { والحسب هو الكافي ، فقال : فقد جعل المؤمنين حسب الرسول كما أن الله حسبه ، فالله تعالى والمؤمنون يكفون رسول الله    - e - مما يدل على جواز التوكل على الأولياء والصالحين .

وهذا الكلام ليس بصواب ، فإن المراد من هذه الآية ليس كما فهمه هذا الغالط ، بل المراد أن الله يكفي رسوله ويكفي المؤمنين ، فالله تعالى هو حسب الطائفتين كلتيهما الرسول     والمؤمنين ، فيكون التقدير : حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين ، وذلك أنه لو كان المراد هو ما ذكره هؤلاء الغالطين لكان الرسول أولى بالحسب من المؤمنين ؛ لأن منزلته أعظم عند الله منهم ، لكن ليس هذا هو المراد وإنما المراد هو ما ذكرناه فالله تعالى حسب الرسول وحسب من اتبع الرسول من المؤمنين وهـذا أسلـوب معروف في اللغة . وعليه قول     الشاعر : ( فحسَبك والضحاكَ سيفُ مهند ) ، أن سيف مهند حسبك أنت وحسب الضحاك ، وكذلك تقول العرب : حسبك وزيدًا درهم ، أي أن الدرهم حسبك أنت وحسب زيد ، فـلا إشكـال في هذه الآية ، بـل هي من الفـروع على هـذه القاعـدة وهـو أن الحسب عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى ، فالتوكـل عبادة له وحده لا شريك له سبحانه ، ولم يقرن معه فيه غيره ، قال الناظم :

لا تقرنن مشيئة الهادي إلى            سبل الهدى بمشيئة الإنسان

 والله تعالى أعلى وأعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال حتى الآن. كن أول من يعلق الآن!

شارك بتعليقك

مواضيع ذات صلة

لا يقرن مع الله غيره في أمور العبادة والمشيئة ويجوز ذلك في غيرها

تاريخ النشر: السبت 23 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 21 يناير 2017 مـ
القاعدة الخامسة والخمسون لا يقرن مع الله غيره في أمور العبادة والمشيئة ويجوز ذلك في غيرها   وهذا هو معتقد الموحدين أن أمور العبادة حق محض لله تعالى ليس لأحد فيه شرك أو واسطة ، قال تعالى : } فاعبد الله مخلصًا له الدين ألا لله الدين الخالص { ، وقال تعالى : } وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخ ..

الصفـات التي هي كمـال باعتبـار ، ونقـص باعتبار تثبت لله حـال كمالها وتنفـى عنه حال نقصها

تاريخ النشر: السبت 23 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 21 يناير 2017 مـ
القاعدة الرابعة والخمسون الصفـات التي هي كمـال باعتبـار ، ونقـص باعتبار تثبت لله حـال كمالها وتنفـى عنه حال نقصها   اعلم أن الصفات باعتبار نفيها عن الله تعالى وإثباتها له ثلاثة أنواع : الأول : صفات هي كمال من كل وجه كالعلم والحياة والبصر والسمع والقدرة والقوة ، فهذه تثبت لله تعالى م ..

زيارة القبور شرعية وبدعية

تاريخ النشر: السبت 23 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 21 يناير 2017 مـ
القاعدة الثالثة والخمسون زيارة القبور شرعية وبدعية   فالشرعية : هي ما كان قصد الزائر فيها ثلاثة أمور : الأول : أن يدعو للميت أي أن ينفع الميت بدعائه وقد كان النبي - e - يأتي للمقبرة ويدعو للأموات ، الثاني : أن يقصد الزائر الذكر بهذا المنظر وأنها المثوى لكل البشر ويدل عليه قوله - e - : ..

كل ما كان وسيلة للشرك الأكبر فشرك أصغر

تاريخ النشر: السبت 23 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 21 يناير 2017 مـ
القاعدة الثانية والخمسون كل ما كان وسيلة للشرك الأكبر فشرك أصغر   فتحرم وسائل الشرك الأكبر كلها ؛ لأنها شرك أصغر فتحريم الشرك الأصغر إذًا ليس تحريم مقاصد وإنما هو تحريم وسائل والوسائل لها أحكام المقاصد ، قال الناظم : وسائل الأحكام تبع المقصد        ..

قاعدة دخول الرياء في الأعمال

تاريخ النشر: السبت 23 ربيع الثاني 1438 هـ الموافق 21 يناير 2017 مـ
القاعدة الحادية والخمسون قاعدة دخول الرياء في الأعمال   اعلم أن الرياء هو العمل للغير تزينًا وهو محرم ، بل هو الشرك الأصغر ففي الحديث :         (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر )) فسئل عنه قال : (( الرياء )) فما الحكم لو دخل الرياء في العمل ؟ ..