القاعدة الرابعة والأربعون :- مراقبة البواعث والنوايا في أمور الدعوة مطلب في السلامة من التبعة في الدنيا والآخرة .
أقول :- إن الأمور مبناها على النيات ، فلا يقبل الله تعالى من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم ، وصوابا على وفق السنة ، وبما أن الدعوة إلى الله تعالى من أعظم العبادات وأكبر القربات فلا بد وأن يراعي الداعية أن تكون نيته في القيام بها هي النية الخالصة ، لأن الله تعالى يقول ] مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [ وقال تعالى ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ [ فقوله { أدعو إلى الله } هو حقيقة الإخلاص ، وقال تعالى ] قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي [ وقال تعالى ] أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [ وقال تعالى ] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء [ وقال عليه الصلاة والسلام " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ... الحديث " فالدعوة التي لا تقوم على ساق الإخلاص لله تعالى فإنه لا خير فيها واعلم رحمك الله تعالى أن هناك جملا من الأمور لو راعيتها بارك الله فيك لتحقق لك مقام الإخلاص بإذن الله تعالى ، وهي كما يلي :-
الأول :- كثرة دعاء الله تعالى بأن يجعل عمله خالصا لوجهه الكريم ، فإن الدعاء سلاح المؤمن ، وهو أعظم ما يحقق هذا الأمر ، فعلى العبد أن يلح على ربه جل وعلا بصدق وتفان أن يعينه على تحقيق أعلى مراتب الإخلاص ، وليتحر أوقات الإجابة التي ورد بها الدليل كالدعاء في ساعة الإجابة يوم الجمعة ، وفي السجود ، وفي ثلث الليل الآخر ، وفي السفر ، وفي الأزمنة الفاضلة كرمضان والعشر الأواخر منه ويوم عرفة ونحو ذلك ، وفي الأمكنة الفاضلة كمكة والمشاعر والمدينة ، فلابد من الإلحاح في الطلب ، وأن يكون هو ديدنك دائما ، فلرب دعوة صادقة يعلم الله تعالى من قلب صاحبها الصدق تكون سببا لسعادته في دنياه وأخراه ، وقال بعض السلف (إن العبد ليبلغ بدعائه ما لا يستطيعه بعمله) فالدعاء الدعاء أيها المسلمون ، لاسيما الدعاء بالإخلاص ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يقلبها كيف يشاء" ثم يقول " اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك " وأعظم الطاعة الإخلاص في الأعمال ، فمن فتح له باب الدعاء بالإخلاص في العمل فقد فتح له باب عظيم من أبواب الخير والبر والتوفيق ، فأوصيكم ونفسي المقصرة بهذا الأمر فإنه آكد ما يحقق لك هذا المطلوب الأعظم ، والذي هو الإخلاص في الأعمال .
الثاني :- أن يستشعر العبد قبل العمل وفي أثنائه أن الله تعالى مطلع على ما يكنه صدره وعالم به، وأنه لا يخفى عليه ، فكيف يراعي نظر الناس ويهمل نظر الرب جل وعلا ، فإن محط نظر الناس هو ما يظهر من العمل ، ومحط نظر الرب هو ما يدور في الباطن من النوايا ، فكيف يقبل العبد على تصحيح ما هو محط نظر الناس رغبة فيهم أو رهبة منهم ، ولا يقبل على تصحيح ما هو محط نظر الرب ، رغبة فيما عنده من الثواب ورهبة مما عنده من العقاب ؟ هذا تناقض عجيب ، ولكن كما قال تعالى ]يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ[ فهو يستخفي من ذم الناس بتصحيحه لما هو محط نظرهم - وهو الظاهر - ولا يستخفي من ذم الله تعالى بتصحيح ما هو محط نظره -وهو الباطن- ثم يرجو العبد بعد ذلك ثواب الله تعالى وعظيم نواله ، وهذا لا يكون أبدا ، ولذلك فإن من بواعث الإخلاص في القلب أن لا يراقب العبد نظر الناس أبدا ، وإنما يراقب ويستشعر نظر الرب جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة الإحسان " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وأنا ضامن إن شاء الله تعالى لمن راعى هذا الأمر والذي قبله أن يكون في يوم من الأيام ممن يضرب به المثل في الإخلاص في الأعمال .
الثالث :- أن يعلم أن الإخلاص من فروض الشرع في العمل ، وأنه شرط في قبولها ، وأنها لا يصح إلا به وأن تعبه الذي تعبه في العمل لن تكون له ثمرة في الآخرة ولا في الدنيا إلا بالإخلاص ، بل إن عمله الذي فعله بلا إخلاص في الحقيقة وبال وعقوبة عليه ، ولذلك أريد منك أن تسأل نفسك أيها الأخ الكريم :- ما الذي جعلك تأتي للمسجد ؟ فلا جرم أنك ستقول: طاعة لله تعالى فيما أمر به ، فأقول لك :- فالدافع لك على المجيء هو امتثال الأمر ، فاذكر كذلك أن الإخلاص مما أمرك الله تعالى به فكما أنك أفلحت في القيام بواجب الظاهر وهو الحرص على العمل طاعة لله تعالى وامتثال أمره فعليك كذلك أن تفلح في تحقيق المأمور في الباطن وهو الإخلاص ، فكلاهما أنت مأمور به ، وكلاهما أنت مسئول عنه ، ومحاسب عليهما جميعا ، بل إن الحساب على أمر الباطن أشد وأعظم وأنكى ، فإن أردت أن تصلي ، فذكر نفسك دائما أنك مأمور بالصلاة ومأمور بالإخلاص فيها ، وإن أردت أن تزكي ، فاستشعر أنك مأمور بالزكاة ومأمور بالإخلاص فيها ، وإن أردت أن تصوم ، فاستشعر أنك مأمور بأمرين :- بالصيام وبالإخلاص في الصيام وإن أردت أن تحج أو تعتمر فاستشعر أنك مأمور بأمرين :- بالحج والعمرة ، وبالإخلاص فيهما وهكذا في سائر الأعمال ، فلا تأخذ الأمر بالعمل في الظاهر بمعزل عن استشعار الأمر بالإخلاص في الباطن ، فانتبه لهذا الأمر فإنه مهم جدا ، والغفلة عنه هي التي أوجبت الفساد لكثير من الأعمال ، قال تعالى ] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ فانظر كيف بين أنهم مأمورون بأمرين :- أن يعبدوا الله ، وهذا هو الأمر الأول ، ثم قال ] مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ أي العمل ، وهذا أمر ثان ، وهو الأمر بالإخلاص في العبادات ، وقال تعالى ] قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي [ فبين الله تعالى أن العبد مأمور بالعبادة ، وبالإخلاص في العبادة ، وهما أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر ، فذكر أيها الحبيب نفسك دائما أنك مأمور بالإخلاص في العبادة كما أنك مأمور بالعبادة ، فمن استشعر هذا وكان هو همه فإنه من المفلحين الرابحين المقبولة أعمالهم ، والله المستعان .
الرابع :- أن تذكر نفسك دائما بعقوبة من عمل لغير الله تعالى أو شرك في نية التعبد ، أو راقب الناس في عمله ، فإن الرياء عقوبته وخيمة في الدنيا والآخرة ، وتذكير النفس بهذه العقوبة قد يكون من الزواجر لها عن النوايا الفاسدة في العمل ، قال تعالى ] مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [ وهذا كاف في زجر القلوب عن العمل لغير الله علام الغيوب ، واسمع إلى هذا الحديث الذي يشيب منه الرأس وترتاع لهوله الأفئدة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَد قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ "(1) فإن من تأمل هذا الحديث حق التأمل فإنه يتبين له مدى عظيم أمر النية ، فإن هذه الأعمال المذكورة في الحديث هي من أكبر الأعمال العبادية وكان الواجب أن يرتفع بها صاحبها إلى أعلى الدرجات ، إلا أنها خسفت به في أسفل سافلين ، فكيف هذا ؟ إنه فساد الباطن هو الذي أوجب له ذلك ، وإلا فلو كانت هذه الأعمال الطيبة الكبيرة مقرونة بنية صالحة ، فناهيك عن الخير الذي يسكون لصاحبها ، ولكن لما تخلفت النية عنها صارت شوما ووبالا وعذابا وعقوبة على فاعلها ، فلو تدبر العبد هذه العقوبة لكفى بها زاجرة والمهم الذي أريد قوله هنا هو أن من دواعي الإخلاص وأسبابه تذكير النفس بعقوبة الرياء ومغبته.
الخامس :- تنبيه النفس وإقناعها دائما بأن الخلق عن بكرة أبيهم لا يملكون لها نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولا قنطيرا ولا قطميرا ، ولن ينفعها مدحهم وإن مدحوها إلى يوم القيامة إن كان الله تعالى غاضبا عليها ، ولن يضرها ذمهم لها وإن ذموها إلى يوم القيامة إن كان الله تعالى راضيا عنها فالخلق ليس بيدهم شيء ، فكيف يقبل القلب على مراءاتهم بالعمل, تحسبا لنفعهم من مدح أو شهرة؟ وهم لا يملكون هذا ، فلابد من قطع القلب عن النظر إلى الخلق, أقنع نفسك دائما أنهم ليسوا بشيء فلا يملكون ثوابا ولا عقابا ولا جنة ولا نارا ، فلماذا أراقبهم في أعمالي ، فهذا الأمر من أنفع ما يكون في قطع التصنع للناس في الأعمال ، لأن العبد لم يراقب الناس في العمل إلا رجاء شيء منهم ، إما جلب منفعة أو دفع مضرة ، فإن كان العبد جازما بأن الله تعالى وحده هو المالك للنفع والضر والثواب والعقاب ، وأن المخلوقين لا يملكون من ذلك شيئا ، فلا يمكن أن يلتفت القلب لأحد منهم ، وإنما سيكون سابحا في طلب مرضاة ربه جل وعلا ومراقبا له وحده ، وهذا هو حقيقة الإخلاص .
السادس :- أن يعلم العبد علم اليقين بأن الجزاء والحساب يوم القيامة لا يكون على الدعاوى ، وإنما يكون على حقائق الأعمال ، بالنظر إلى بواطنها والبواعث عليها ، فالحساب يوم القيامة على السرائر والظواهر تبع لها ، كما قال تعالى ] يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [ فالأحكام في الدنيا على الظواهر والسرائر تبع لها ، وأما في الآخرة فهو بالعكس ، فالحساب يوم القيامة لن يكون على دعواك بأنك قد صليت أو زكيت أو حججت واعتمرت أو بررت بوالديك أو تصدقت أو صمت ونحو هذه الدعاوى ، لا ، فالأمر أعظم وأشد من ذلك ، لأن هذا اليوم هو يوم فضيحة البواطن ، فالحساب لن يكون على ما أظهرته من العمل وتصنعت به للعباد ، بل سيكون على نيتك في هذه الأعمال والسريرة التي دفعتك للعمل فأعد للسؤال جوابا ، وللجواب صوابا ، فلو أن العبد تذكر هذا قبل العمل وفي أثناء العمل ، وحال هجوم داعي الرياء عليه ، لكان الحال تغيرت والقلوب صفت من هذه القذارة ، أعني قذارة الرياء والتصنع للخلق .
السابع :- أن يقبل العبد على التعرف على الله تعالى بمقتضى أسمائه وصفاته فإن ذلك يورث رجاءه وحده وخوفه وحده ، فإن من عرف الله تعالى عرف أنه المستحق لأن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر ، وأن يوحد بإرادة العمل فلا يشرك معه فيه غيره ، ولذلك فالعارفون بالله تعالى هم المحققون لمقامات الإخلاص ، وأما الجاهلون به جل وعلا فهم المقبلون على تصحيح ظواهر الأعمال لإرضاء الخلق ، فمن أراد الإخلاص حقا فليتعرف على الله تعالى بمقتضى دراسة العقيدة على منهج سلف الأمة .
الثامن :- الحرص الكامل على إخفاء الأعمال ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، وأعني بها تلك النوافل التي ليس من السنة فعلها في الجماعة ، فعلى العبد الحريص على أعماله أن تكون أعماله التطوعية في السر لا في العلن فيكون نوافله القبلية والبعدية في البيت ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " وقيام الليل يكون في الخفاء بعيدا عن الأعين والذكر في الصباح والمساء يكون في الخفاء بينك وبين نفسك بلا جهر به ، وهكذا في سائر الأعمال التطوعية ، فإن هذا أدعى للإخلاص وأبعد عن الرياء ، وهكذا كان دأب سلف الأمة كما سيأتينا شيء من صور حرصهم على تحقيق الإخلاص إن شاء الله تعالى .
التاسع :- المجاهدة والمدافعة والصبر واحتساب الأجر في ذلك ، فإن الله تعالى يقول ] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [ وأعظم المجاهدة مجاهدة الشيطان وما يلقيه على القلب والروح من النوايا الفاسدة والبواعث الخبيثة ، أعظم المجاهدة مجاهدة النفس الأمارة بالسوء ، ومجاهدة الهوى ، فأمامك أعداء كثر إبليس ، والدنيا ونفسك والهوى ، فلابد من إعداد العدة والحذر الكامل ، والمواجهة القوية والصبر والمصابرة والاستعانة بالله تعالى ، ومن صدق مع الله تعالى فلن يخذله ولن يخيبه ، ومن التجأ إليه فلن يسلمه لعدوه ، والله المستعان .
العاشر :- الحرص على الاطلاع على سير سلف الأمة الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الهدى ، وكيف كانوا يحرصون على تحقيق الإخلاص ، وكيف كانوا يعانون في تحقيقه الأمور الصعاب والمشقة الكبيرة ، فإنهم خير سلف لأمتهم ، فعلى العبد أن يقرأ ما دونه العلماء في ذلك ، لعله أن يقتدي بهم ، وأن يكونوا خير أسوة له في تحقيق مراتب الإخلاص ، فإن من عاش مع سلف الأمة فإنه سيفوز بما فازوا به من المراتب العليا والمنازل السامية ، فهذه بعض الأمور المعينة على الإخلاص لعلك تعيد قراءتها بين الفينة والأخرى لتحفظها وتعمل بها فتكون خير معين لك على تحقيق هذا المطلوب الكبير والمقصد العظيم .والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ثم أقول :- إن أعظم ما يدخل على الداعية إلى الله تعالى فساد النية ، بحيث أن لا يكون في ذهنه في دعوته إلا مجرد المدح والثناء من الناس والتكثر من الأتباع ، أو لا يكون همه إلا إرضاء الولاة من الأمراء فحيث كان رضاهم فهو محط دعوته ، فليس همه إصلاح المجتمع ولا إرضاء الله تعالى ، وإنما همه المنصب والمال وبقاء الجاه بمعرفة الولاة ورضاهم عنه ، أو لا يكون همه إلا أن يشار له بالبنان أنه العالم أو الداعية ، ونحوها من المقاصد الخبيثة التي تفسد رونق الدعوة وتذهب هيبة الدعاة إلى الله تعالى ، فالحذر الحذر يا أحبابي من فساد النوايا ، أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يعصمنا وإياكم من الزلل وفساد النية وخبث الطوية ،والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .
(1) حديث صحيح , أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد صفحة (42) ومسلم رقم (1905) في الإمارة ، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار ، والترمذي رقم (2383) في الزهد ، باب ما جاء في الرياء والسمعة ، والنسائي 6 / 23 و 24 في الجهاد .
التعليقات