القاعدة الثالثة
مذهب السلف أعْلَمُ وأحْكَم وأسْلَم
هذا هو الحق الذي لا يجوز القول بغيره ، وهذا الكلام ليس من باب التحكم والهوى وإنما دل عليه الدليل العقلي والنقلي والحسي ، فمن أراد السلامة فعليه بمنهج السلف ، وأرى والله أعلم أن سرد الأدلة على صحة منهج السلف من باب الاستدلال على وجود الشمس ، ولقد أحسن الشاعر إذ قال :
وليس يصح في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهـار إلى دليل
وفي ذلك يقول الناظم في نونية السعداني ، حاثاً على ملازمة منهج السلف :
فالزم سبيل الراشدين ولا تـزغ لا يخدعنك زخرف الشيطان
فهو السبيل إلى السعادة والهـدى وهو الطريق لجنـة الرحمـن
لكن بعض الأغبياء الذين لم يعرفوا للسلف قدرهم ، ولم ينزلوهم منازلهم ، يعكسون الأمر ويجعلون مذهب السلف هو الأسلم ؛ لأنه مذهب يقوم على الإيمان بألفاظٍ مجردةٍ لا تدل على شيء ، ومذهب الخلف هو الأعلم والأحكم ؛ لأنه يقوم على غرائب الألفاظ ودقائق التأويلات ومقتضى العقل ، وهذا كذبٌ ولا شك ، أفيكون مذهب من لا يدري ما يعتقد ولا يدري ما يقول ، أعلم وأحكم من مذهب السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين أخذوا علمهم غضاً طرياً من فيّ رسول الله - e - ، ممن رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه ، ممن سطر الله تعالى لهم في كتابه الكريم أجمل الذكر وأكبر الثناء ، قـوم رأوا منازلهم في الجنة قبل أن يموتوا ، وبشروا بها قبل أن تخرج أرواحهم من أجسادهم ، فكيف يفضل هؤلاء المتهوكون الضالون الذين ضلوا وتاهوا ، بل إنه لا يجوز أصلاً أن تعقد المقارنة بين مذهب السلف وبين مذهب الخلف ؛ لأن مقارنة الكامل من كل وجه بالناقص من كل وجه ، تنقص الكامل وترفع الناقص ، ولله در القائل : ( ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصى ) .
سبحان الله العظيم ، كيف يكون أفراخ اليونان وزبالات أذهان الفلاسفة وخرافات اليهود والنصارى أعلم وأحكم من الرسول - e - ومن صحابته الكرام ؟ كيف يفضل الظلام على النور ؟ والضلال على الهدى ؟ والجنة على النار ؟
والله إن الذي قال هذا الكلام أحد رجلين ، إما أن يكون جاهلاً بحقيقة مذهب السلف ، وإنما يصدر هذا القول من أتباع كل ناعق ، وإما أن يكون رجل سوءٍ قصده أن يصد الناس عن المنبع الصافي والدين الصحيح ، فأما الأول فعلاجه أن يبين له منهج السلف بأدلته ، وأما الثاني فلا علاج له إلا درة عمر يضرب على رأسه صباحًا ومساءً حتى تخرج الشياطين من رأسه .
بل إن تفضيل منهج الخلف على مذهب السلف هو الكفر بعينه ، والضلال برمته ، فإنــنــا قـــد درسنا في كتب المعتقد أن من نواقض الدين أن يعتقد الإنسان أن هدي غير محمدٍ - e - ، أكمل من هديه ، وهؤلاء لا يعتقدون أنه أكمل فحسب بل يقولون بأن من اعتقد ما جاء به محمدٌ فهو كافر ، فإن حقيقة قولهم هو إنكار ما جاء به النبي - e - ، فإن النبي أتى بإثبات الأسماء والصفات ، وهؤلاء يجعلون من أثبتها من أكبر الضالين ، وأنـه حشـويٌ ، ويوصـف بالأوصاف القبيحة المستهجنة ، وهؤلاء لا يصفون منهج السلف إلا بأنه أسلم فنقول لهم إن الحق ما شهدت به الأعداء ، فإنكم إذا شهدتم بذلك فيلزم على ذلك أن يكون كذلك أعلم وأحكم ، إذ السلامة نتيجة العلم والحكمة ، فلما كان أعلم وأحكم كان أسلم ، والمقصود من هذا الكلام أن يعتقد الإنسان أن منهج السلف أعلم وأحكم وأسلم نقلاً وعقلاً وحساً، أما نقلاً فأن الأدلة من الكتاب والسنة قد دلت على وجوب متابعة سبيل النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وهي كثيرة معروفة ، وأما عقلاً فإن العقل لا يخالف النص فإذا أثبت النص وجوب متابعة سبيل السابقين فإن العقل يؤيده ويوافقه ، وأما حساً فلأننا لا نرى كثرة التنقل والاضطرابات والتناقض إلا عند من خالف منهج السلف فتراهم لا يثبتون على قول ولا رأي بل يقولون به اليوم ويحاربونه غداً أما السلف فهم على اعتقادهم ثابتين عليه متمسكين به لا تزيغ بهم الأهواء ولا تعصف بهم الفتن وهذا لأن المذهب الذي اتبعوه هو الأسلم والأعلم والأحكم فنسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يحشرنا في زمرتهم آمين . والله تعالى أعلم .
التعليقات