بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وبعد :ــ يا أيتها الأمة الكريمة الغالية على الله تعالى ، يا أيها المؤمنون المسلمون المتقون ، يا من آمنتم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، لا جرم أنكم تعلمون أن أعظم خطر يواجه الأمة ، وأكبر شر يعصف بها هو التفرق والاختلاف المذموم الذي يفت في عضد الأمة ويهلك كيان الأمة ، وإن من أخطر ما حذرنا منه ديننا هو أن نكون أحزابا وشيعا يضرب بعضنا رقاب بعض ، وإننا في هذه الأزمنة نرى تفككا في صف الأمة ، وبعثرة في كيان وحدتها ، فلماذا يضرب بعضنا بعضا ونحن أمة واحدة وديننا واحد وكلمتنا واحدة ودعوانا واحدة ؟ لماذا هذا التفرق ونحن لا نؤمن إلا بإله واحد ، ونبي واحد ؟ لماذا هذا الاختلاف الكبير بيننا ونحن منهجنا واحد ودولتنا واحدة ؟ ما الذي تغير فينا ، وما الذي جرى لقلوبنا ، فولايتنا هي ولايتنا ،وعلماؤنا هم علماؤنا ومنهجنا هو منهجنا ودولتنا هي دولتنا ، فما الذي حصل حتى يكون بيننا هذا الشقاق الكبير والتنازع الخطير والذي لن نجني منه إلا كل دمار وعار وتأخر ، نحن لا نريد أن نشيد بنيانا من الإسمنت والطين وندعي فيه التقدم والرقي ، بل نريد أن نبني بنيانا من جسور المحبة والوفاق والتآخي والعطاء ، نريد أن نبني مجتمعا متآلفا متعاضدا متماسكا ، نريد أن نبني أخوة إيمانية قائمة على ساق المحبة في الله ، نريد أن نحقق مبدأ الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، نريد أن نحقق التماسك الذي مثل له النبي صلى الله عليه وسلم بالبنيان الذي يشد بعضه بعضا ، نريد أن نكون على القيمة العالية والدرجة الرفيعة بين الأمم ، والتي كنا فيها في العصر الأول ، نعم ، أنا لا أدعي أنه ليس عندنا أخطاء ، فكل مجتمعات الدنيا فيها من الأخطاء ما يكفيها ، ولكن لا بد وأن نهدأ في معالجة الأخطاء و أن نسلك في علاجها الطريق الذي يكفل لنا بقاء وحدتنا واتفاق كلمتنا وبقاء هيبتنا بين الأمم ، فلماذا القدح في النوايا ، ولماذا التشهير بالأخطاء في وسائل الإعلام ، ولماذا تتبع الهفوات وتلمس العثرات ، ولماذا يتكلم الصغار في الكبار ، ولماذا يقدح في الذوات ، سبحان الله ، أليس للمسلم حق على المسلم أن يناصحه بالطريقة التي لا يكون فيها تجريح ولا تشهير ، لماذا أيها الأحبة إذا تكلم متكلم في مسألة حملنا كلامه من المقاصد والنوايا ما لا يحتمل ، لماذا نجعل المنابر الإعلامية سهاما نوجهها إلى صدور إخواننا الذين يتفقون معنا في الدين والوطن ، فبالله عليكم ما الذي جنيناه من جراء ذلك إلا التفرق والخيبة والخسارة العظيمة ، وهذا والله ما لا يريده ديننا ولا ولاتنا ولا علماءنا ولا أظن مسلما يخاف على أمته ودينه ووطنه يرضى به ، فهذه دعوة صادقة من قلب محب لدينه ولمجتمعه أن نحيي فيما بيننا جذوة المحبة والإخاء الإيماني ، وأن نصفي قلوبنا على بعض ، وأن نرجع إلى مائدة الحوار الهادف بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والنصيحة المشفقة والنبرة الهادئة ، وأن ننبذ فيما بيننا أسباب الخلاف والفرقة ، وأن ننطوي تحت راية ولاة أمرنا من الأمراء والعلماء ، وأن لا نفرح علينا عدوا حاقدا ولا منافقا مترصدا ، وأن نسعى إلى بناء ديننا بالتعبد الصحيح والدعوة المخلصة وصدق الانتساب إلى هذا الدين العظيم ، وأن نجتهد في بناء وطننا بعرق قلوبنا بصدق ووفاء وإخلاص ، وأن نكون نحن وولاتنا أمراء وعلماءــ يدا واحدة وصفا واحدا وكلمة واحدة وقوة واحدة ، وأن لا نرضى أن يفرقنا خطأ صدر من بعضنا ، ولا خلل حصل من إخواننا ، ولا بغيض مندس بيننا ، ثم اعلموا أيها الموفقون من أبناء هذا الوطن الغالي أن الأمم من حولنا قد أزعجها تلك اللحمة القوية فيما بيننا ، وأقلق قلوبهم تلك الوحدة والأمن الذي نعيشه في مملكتنا الحبيبة ، وآلمهم تمسكنا بديننا وعاداتنا وأخلاقنا التي ورثناها من هذا الدين العظيم ، محبةٌ وتسامحٌ ، وأخوةٌ وصفاءٌ ، واتفاق وائتلاف ، وقد حاولوا هز تلك العروش من قلوبنا بكل مقدور عليه فلم يفلحوا ، ولكنهم اتجهوا إلى السلاح الفعال في الأمة وهو سلاح بث الفرقة والاختلاف بين أطياف الأمة ، فسلطوا بعضنا على بعض ، بالتشكيك في النوايا ، والقدح في الذوات ، والوصف بالأوصاف القبيحة المستهجنة ، وقد نجحوا نجاحا بسيطا في ذلك ، فلا بد من أن ننتبه وأن نستفيق ، حتى لا تتمكن خططهم ولا كيدهم من تحقيق مبتغاها الشيطاني في تفتيت كيان الأمة ، فالله الله أيها الأحبة في التوافق والتناصح والتعاون على البر والتقوى ، الله الله في السمع والطاعة للعلماء والأمراء في غير معصية الله ، الله الله في اتحاد الكلمة واتفاق القلوب ونبذ أسباب الاختلاف والتنازع ، الله الله في الاعتصام بحبل بالله المتين ،الله الله بالتمسك والتمسيك بغرز هذه الشريعة المباركة التي هي مصدر عز الأمة وموئل فخرها ، الله الله في إحسان الظن ببعضنا ، الله الله في الحكمة في معالجة الأخطاء بما لا يكون فيه تعد ولا تجاوز لحدود الأدب الذي قرره لنا ديننا ، والله العظيم إنها دعوة لا أريد بها عزا ولا مالا ولا جاها من أحد ، وإنما الدافع لها محبتي لديني ومحبتي لأمتي ولوطني ، وعلينا أن نكثر من حمد الله تعالى والثناء عليه بأن جعلنا مسلمين وأمَّر علينا ولاة مسلمين ، وجعلنا تحت راية علماء أهل السنة ، وجعل دولتنا هي النور الباقي على وجه هذه الأرض في تحكيم الشريعة ،فأمانة هذا الدين وحماية الوطن كبيرة وعظيمة ، وهي مسؤولية الجميع ، أسأل الله تعالى أن يوفقنا حكاما ومحكومين إلى ما فيه خيرنا في العاجل والآجل وأن يحفظ ديننا وأمننا وبلادنا ، وأن يجعلنا جميعا إخوة متحابين متآلفين متوادين ، ليس بيننا حقد ولا شحناء ، إنه سبحانه خير من سئل وأكرم من أعطى ، والله من وراء القصد ، والحمد لله أولا وآخرا ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ... كتبه محبكم / وليد بن راشد السعيدان .
التعليقات