الرئيسية المقالات

آفات طلب العلم

آفات طلب العلم

تاريخ النشر: الأحد, 21 اغسطس 2016 - 10:10 صباحاً | عدد المشاهدات: 1,646
تبليغ عن رابط معطوب

طلب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، أما بعد :

فإن هناك آفات كثيرة تعترض طالب العلم في طريق طلبه للعلم ، ولا سيما بعد تحصيل قدر طيب منه ، وهذه الآفات لا بد من النظر لها بعين الاعتبار ، وهي آفات كثيرة ، ولكن نذكر لك أخطرها وأهمها :

 

فمنها : أنه لا يطلبه إلا لغرض دنيوي بحت ، من تحصيل مال أو سمعة أو تفاخر أو منصب ، وهذا من أعظم الآفات التي تواجه الطالب للعلم ، ومن سلم منها فإن ما بعدها أيسر منها ، ولكن أنى له أن يسلم منها وقد اجتمع عليه الشيطان والدنيا والهوى والنفس ؟ إلا إن وفق العبد للاستعانة بالله تعالى ، فإنه سينجو من هذه المهلكة الكبيرة والآفة الخطيرة ، وهي فساد النية في طلب العلم ، وقد تملكنا عن هذه الآفة في مسألة خاصة وذكرنا الأدلة الدالة على وجوب إخلاص النية في العلم

 

ومنها : أن يفسده بالدخول على الملوك ، فإن العالم إن دخل أبواب السلطان فلا بد وأن يفتن ، فالحذر الحذر أيها العلماء من الولوج على السلاطين ، قال عليه الصلاة والسلام " من تتبع الصيد غفل ، ومن وقف عند أبواب السلطان افتتن " فإن العالم لا يزال في خير ومنعة ما لم يدخل على الحاكم ، فإن دخل عليه فناهيك عن الفساد الذي سيدخل عليه ، فالأصل المتقرر عند سلف الأمة التحذير من الدخول على الحكام ، إلا إن دعت الحاجة أو الضرورة الملحة إلى الدخول عليه ، واعلم رحمك الله تعالى أن المراد بالدخول المذموم أي الدخول الذي يراد به إرضاء الحاكم في معصية الله تعالى أو الرضا بما هو عليه من الفجور والمعصية ، أو السكوت عن المنكرات التي يراها مجاملة ومداهنة للحاكم ، أو إبطال الحق أو إحقاق الباطل من أجل هوى الحاكم ، أو كان متلصصا على دنياه أو طامعا في المناصب التي تحت يده أن ينصبه على شيء منها ، أو كان يريد أن يبسط له المخالفة ، ونحو ذلك من المقاصد السيئة ، فإن الدخول على الحاكم من الوسائل التي يختلف حكمها باختلاف القصد ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم  " وإنما لكل امرئ ما نوى " والله تعالى هو الذي يعلم السر وأخفى ، والله المستعان .

 

ومنها : التعالم قبل التمكن ، وهذا خطير جدا ، بل هو طريق الهلاك ، فتجد الطالب لا يزال صغيرا في العلم ، وفي بدايات الطلب ، ويتكلم في المسائل الكبار ، التي يتحاشى عن الكلام فيها كبار العلماء ، وهذه الجرأة على الكلام في مثل هذه المسائل ليس من باب قوة التحصيل ووفور الدراسة ، بل من باب قلة الأدب وذهاب الحياء ونفخ البطن بالهواء ، وفي الغالب أن هذا الصنف تحصل فتنته على العلماء أنفسهم ، لأنهم يريدون أن يصفوا مصافهم ، ولا يستطيعون ذلك إلا بالخوض فيهم وفي أعراضهم والكلام في فتاواهم والتعليق على كلامهم ، فيتزببون قبل أن يتحصرموا ، وفيهم ألف الشيخ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله تعالى كتابه الطيب القيم ( التعالم ) فلو رجعتم إليه لكان حسنا ، لا سيما في هذا الزمان الذي كثر الغثاء فيه ، والله المستعان .

 

ومنها : القول على الله تعالى بلا علم ولا برهان حفاظا على ماء الوجه ، وتخلصا من الموقف والحرج وهذا يكون في بعض الطلاب ، لأنهم غلبوا المحافظة على مكانتهم العلمية بين الناس على قول : لا أدري ، ونسوا الأدلة التي تحذر وتنهى عن القول على الله تعالى بلا علم ، كقوله تعالى في سياق المحرمات على حسب الأعظمية " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " وقوله تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " وقوله تعالى " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب " واتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على حرمة القول على الله تعالى بلا علم ، وفي الغالب أن هذه الآفة يقع فيها صغار الطلاب ، لأنهم يحاولون فتل عضلاتهم في العلم أما الناس ، ولكن سرعان ما تتغير الحال ويأتي الورع مع الاستمرار في الطلب والتأدب بأدب العلم ، فأنا أوصيك أيها الطالب أن لا تخطئ : لا أدري ، ولا أعلم ، فيما لا تعلمه ، وأن لا تتكلم في شيء من العلم إلا وأنت تعلمه علما صحيحا على وجه اليقين أو غلبة الظن ، وأما التخرص والهوى والكلام الذي لم يبن على العلم والهدى فاحذر منه كل الحذر ، فإنه مزلق خطير لا يكاد يسلم منه إلا من وفقه الله تعالى ، أعاننا الله وإياك على قتل حظوظ النفوس ، والله المستعان .

 

ومنها : الانقطاع عن الطلب والاشتغال عن العلم بغيره من أمور الدنيا ، وكم رأينا من الطلاب الذين لهم نصيب وافر في الطلب والتحصيل قد تخطفتهم يد الأشغال ، وأبعدتهم الحظوظ الدنيوية عن طريق الطلب ، فطريق التحصيل لا بد فيه من الدوام والاستمرار ، وأما الانقطاع عن الحفظ والقراءة وحضور مجالس أهل العلم ومراجعة العلم فإنه آفة تنخر في جسد التحصيل ،وآكلة سوء تهضم ما تعب العبد على جمعه وضبطه ، فلا بد من المواصلة وتشمير اليد عن ساعد الجد في الاستمرار والمثابرة في التحصيل ، ويستطيع الطالب أن يوفق بين أموره الخاصة وطلبه للعلم بتنظيم وقته ، وعدم إهدار شيء منه ، فالعلم حمالة ثقيلة ، وأمانة كبيرة ، لا بد من مراعاتها والمحافظة عليها ، والعض عليها بالنواجذ ، فالله الله يا طلبة العلم في المواصلة في الطلب ، وأن لا يشغلنكم عن العلم أمر من الأمور التافهة ، فإن العلم والتحصيل هو الخير ، وما دونه من الأمور فهو تافه دون ، فلا تكونوا من الذين اشتروا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، والله المستعان .

 

ومنها : كتمه وعدم تبليغه ، وهي آفة موجبة لغضب الله تعالى وسخطه وأليم عقابه ، فإبلاغ العلم من المواثيق التي أخذها الله تعالى على أهل العلم ، قال تعالى " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من كتم العلم بالعقوبة البليغة التي تقشعر منها القلوب وتخاف منها النفوس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " فيجب على الطالب أن يجتهد في التبليغ ، وأن يقتنص الفرصة المواتية للبلاغ ، وأن لا يهملها ، وأن لا يستصغر شيئا قاله من العلم لله تعالى ، فلرب كلمة صغيرة يجعل الله تعالى عليها من الفتوح ما لم يكن في الحسبان ولا في الخيال ، فالبركة من الله تعالى ، وإنما عليك هداية الدلالة والإرشاد ، وأما هداية التوفيق والإلهام فإنها من الله تعالى ، وعلى الطالب في التبليغ أن يكون ذا أسلوب حسن يأخذ بالقلوب ، ويكون ذا فهم لكيفية الدخول في الحديث ، فإن المقدمات الناجحة عنوان على نجاح المقاصد إن شاء الله تعالى .

 

ومنها : تتبع الغرائب وفتح القلب لاستماع الشبه قبل التضلع من علوم السلف ، فإن من الناس من لا يروي ظمأ قلبه مجرد العلوم التي يشترك الطلاب في فهمهما ومعرفتها ، حتى يفتح على نفسه باب الغرائب ، ليجذب الناس لسماعه والحضور عنده ، وانفتاح باب تتبع الغريب من العلم سبب للهلاك في الغالب ، لأن هذه الغرائب تكون في الغالب من الأمور المبنية على غير هدى ، ولا على برهان صحيح ، أو تكون من الأقوال الشاذة التي لا يعول عليها أهل العلم ، أو تكون من المبالغات التي لا تستند إلى أصل صحيح ، أو تكون من الحكايات التي لا خطام لها ولا زمام ، وهذا كله لا ينفع بل يضر ، بل على الطالب أن يبني قاعدة علمه على الأدلة الصحيحة وأن يترقى في مدارج التحصيل على الأصول الثابتة التي يعتمدها أهل العلم ، وأن يسلك في التحصيل طريقة الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة ، وهذا لا يكون إلا بالالتزام بالطلب عند أهل العلم العارفين به ، وأما التحصيل الذاتي فإنه قد لا يفيد كثيرا ، فانتبه لهذا .والآفات كثيرة ، ولكن هذه من أهمها ، والله ربنا أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ......

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال حتى الآن. كن أول من يعلق الآن!

شارك بتعليقك

مواضيع ذات صلة

آفات طلب العلم

تاريخ النشر: الأحد 18 ذو القعدة 1437 هـ الموافق 21 أغسطس 2016 مـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، أما بعد : فإن هناك آفات كثيرة تعترض طالب العلم في طريق طلبه للعلم ، ولا سيما بعد تحصيل قدر طيب منه ، وهذه الآفات لا بد من النظر لها بعين الاعتبار ، وهي آفات كثيرة ، ولكن نذكر لك أخطرها وأهم ..

الأسباب مؤثرة لا بذاتها

تاريخ النشر: الأربعاء 17 جمادى الأولى 1437 هـ الموافق 24 فبراير 2016 مـ
.............................

كـل مـن اعتقد سببًا لـم يـدل عليـه شـرع ولا قـدر فهـو شرك أصغـر, وإن اعتقده الفاعل بذاته فهو شرك أكبر

تاريخ النشر: الأربعاء 17 جمادى الأولى 1437 هـ الموافق 24 فبراير 2016 مـ
..............................................

العبادة حق صرف محض لله تعالى, لا تصرف لا لملك مقرب, ولا لنبي مرسل, ولا لولي صالح, فضلا عن غيرهم

تاريخ النشر: الأربعاء 17 جمادى الأولى 1437 هـ الموافق 24 فبراير 2016 مـ
.........................

كل فهم يخالف فهم سلف الأمة في العقيدة والعمل فإنه باطل

تاريخ النشر: الأربعاء 17 جمادى الأولى 1437 هـ الموافق 24 فبراير 2016 مـ
.............................