القاعدة الحادية عشرة :- العبرة في الدعوات على الحقائق والمضمون لا على مجرد الأسماء .
نعم ، وهذا هو الحق الذي لا يجوز العدول عنه ، فإن هناك من الدعوات التي عرفت في العالم الإسلامي من تسمت بالأسماء البراقة الخلابة التي يسرق القلوب جمالها ورونقها ، ورفعت الشعارات التي تكيد ببريقها أهل الإسلام ، ولكنك إن نظرت إلى مضمون ما ترمي له تلك الدعوات ونظرت إلى أصولها المقررة ومقاصدها المرادة وجدتها بعيدة عن الحق والهدى ، بل هي حرب على الدين ونسف لشريعة رب العالمين ، ولكن بعض الدعوات الباطلة إنما تريد التلبيس ببعض الأسماء البراقة والانطواء تحت الشعارات المقبولة للنفوس لترويج باطلها بين العامة من حيث لا يدري عن خبثها أحد ، فالحذر الحذر أيها الأحبة من الانخداع بتلك الأسماء البراقة التي تسلب القلوب وتسرق العقول بجمالها ، فالعبرة في الدعوات والشعارات إنما هو على الحقيقة والمضمون ، فلا تعطى الدعوة حكما على مجرد الأسماء ، بل لا بد من النظر في أصولها التي تنبثق دعوتها منها ، ولا بد من النظر في سلامة عقيدتها التي تدعو لها ، ولا بد من موافقتها في حقيقتها ومضمونها لمنهج سلف الأمة وأئمتها ، وأما إن خالفت ذلك فإنها تكون من الدعوات الضالة حتى وإن تسمت بأحسن الأسماء وأجمل الألقاب ، ولذلك فقد حرص أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى على ضبط هذا الباب بتقعيد قاعدة مهمة في التسمية ، والقاعدة عندهم تقول ( أهل السنة لا ينتسبون في التسمية إلا للإسلام والإيمان أو ما دل عليه الدليل أو كان مما يميزهم عن غيرهم من سائر الفرق المخالفة للعقيدة الصحيحة ) ولذلك فإن من أعظم مميزات أهل السنة و الجماعة أنهم لا ينتسبون إلا إلى الإسلام أو ما دل عليه الدليل أو كانت صفة راسخة فيهم واشتهروا بها بخلاف الفرق الضالة المنحرفة عن منهج الحق فإنها في نسبتها إما أن تنتسب إلى مؤسسها أو لأصل بدعتها أو غير ذلك ، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - أما أهل السنة والجماعة فلا ، بل الألقاب التي تلقبوا بها هي حق وصدق في ذاتها ، وهي تدل على سلامة المنهج ووضوحه وأصله ومستنده .
وإن من أعظم أسمائهم هو ما سماهم به ربهم في كتابه الكريم ، وهو من أحب الأسماء إليهم - نسأل الله أن يجعلنا منهم - وهو اسم المؤمنين ، فدائماً تجد في كتاب الله تعالى يخاطب عباده الصالحين باسم المؤمنين ، وهذا الاسم صادق على المؤمنين جميعاً ، إلا أنه أصدق وأليق على أهل السنة والجماعة لأنهم هم المؤمنون حقًا الذين آمنوا بالله وكتابه ورسله وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، ولذلك قال الله تعالى ] وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [ وأهل السنة والجماعة آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ، أما من عداهم من الفرق فإنهم لم يحققوا الإيمان الكامل بالله ولا برسله فإن من أنكر الأسماء والصفات كلها أو بعضها ومن أنكر القدر ومن أنكر رؤية الله تعالى ، ومن يسلب عن الله النقيضين ، ومن يصف الله بصفات النقص والعيب ، ومن لا يقبل ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب بل يُقدِّم آراء اليونان على الكتاب والسنة ، فكيف يكون مؤمنًا بالله تعالى ورسلـه ، فـإن حقيقـة الإيمان هو التصديق الجازم المقترن بالقول والعمل ، فمن آمن ولم يقل ولم يعمل فليس بمؤمن ، أما أهل السنة والجماعة فهم آمنوا بقلوبهم وقالوا بألسنتهم وعملوا بجوارحهم , قال تعالى ] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [ ] أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [ وهذه الآيات من سورة الأنفال هي الحد الفاصل بيننا وبين القوم فنقول لهم : تعالوا حتى تتلى عليكم آيات الله ، الآيات التي تثبت الوحدانية ، وأن الله تعالى ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوًا أحد وأنه سبحانه ليس له سمي ، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى فوالله إن القوم حتى وإن تلوا آيات بألسنتهم إلا أن قلوبهم من أبعد الأشياء عن الإيمان بها واعتقادها فإنهم يعتقدون أن القرآن لم يأت إلا بالتعطيل المحض وبالكفر الصراح فتراهم يحاربون قوله تعالى ] بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [ وقوله تعالى ] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [ وقوله تعالى ] وَجَاء رَبُّكَ [ فيقولون من اعتقد أن لله يدين فقد كفر ، ومن اعتقد أن لله وجهًا ومجيئًا فقد كفر ، فيا سبحان الله وهل يكفر من آمن بما قال ربه ؟ فهؤلاء القوم الضُّلال إذا تُتلى عليهم آيات ربهم زادتهم نفورًا وتعطيلاً وتشبيهًا وتحريفًا وطغيانًا أما أهل السنة والجماعة هم الذين إذا تتلى عليهم آيات الله تزيدهم إيمـانًا إلى إيمانهم فهم المؤمنون حقًا والمقصود أن من أحب الأسماء إلى السلف هو اسم المؤمنين فلهم الحظ الأعظم والنصيب الأوفر من هذا الاسم الشريف الكريم والله أعلم .
ومن أسمائهم المحبوبة لديهم - رحمهم الله تعالى - : أهل السنة والجماعة فهذا الاسم هو الاسم الذي اشتهروا به وصار علمًا عليهم وهو مكون من لفظتين ، اللفظة الأولى ( أهل السنة ) اللفظة الثانية (الجماعة) فسموا بأهل السنة ؛ لأنهم اتفقوا على الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعمل ، وسبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بـدعـة ضلالـة وكل ضلالــة في النار "(1) فالسلف أخذوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عقيدةً وعملاً ، وتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وبسنة الخلفاء الراشدين ، وساروا عليها في وقت تفرقت فيه الآراء ، وتعددت فيه الفرق ، واختلفت فيه النِّحَل ؛ ولذلك سموا بأهل السنة , وأما تسميتهم بالجماعة ؛ فلأمرين , الأول : لأن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجــاة فـي الدنيا والآخــرة ، وذلــك فـي حديث الافتراق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ... وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال " الجماعة "(2) فسموا بالجماعة ؛ لأن الجماعة مأخوذة من الاجتماع على الشيء وهو الإجماع أيضًا ، فهم أجمعوا قاطبة على الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واجتمعوا عليها ولأنه صلى الله عليه وسلم أوصى بالجماعة فقال " وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة "(3) ، فألف بين قلوبهم حتـى توافـقـت آراؤهم ، فأجمـعـت على كتاب الله وسنـة رسولـه صلى الله عليه وسلم فهي جماعة واحدة مجتمعة على الحق , ولا نعني بالجماعة أنها لابد أن تكون مؤلفة من أفراد ، بل الأهم هو موافقة الحق ، فالجماعة هو ما وافق الحق وإن كنت وحدك ، وإلا فالمعتزلة جماعة والجهمية جماعة ، لكنهم جماعة سوءٍ وضلال ليست جماعة حق ، فلو قدَّر الله تعالى أن لا يعتقد منهج السلف إلا واحد فقط وأهل الأرض كلهم في ضلال فهو الجماعة ، وإن كان وحده .
ومن أسمائهم أيضًا : الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ، فأما تسميتهم بالفرقة الناجية فلأنهم نجوا من بليتين هما : الشبهات والشهوات في الدنيا ، فإن الشبهات والشهوات هي مصدر كل بلاء وفُرقة وفجور ونجوا يوم القيامة من النار ، وهذه الشهادة هي من نوع الشهادة العامــة ، وسيـأتي التفصيل فيها ، بمعنى أن نقول : إن من كان على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابـه فقد نجى من النار لكن لا نشهد للواحد منهم بأنه ناجٍ من النار بعينه إلا من شهد له النص . فلأنهم نجوا من الشبهات والشهوات في الدنيا ونجوا من النار يوم القيامة سموا الفرقة الناجية , وقد وردت هذه التسمية في بعض الآثار الله أعلم بصحتها .وأن تسميتهم بالطائفة المنصورة فذلك لأمرين , الأول : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله" ولا نعلم طائفة منصورة على مر التاريخ إلا أهل السنة والجماعة . فانظر بعين الواقع إلى كثرة من يعاديهم ، ومن يكيد لهم ، إني لا أكون مبالغًا إن قلت إن الفرق الضالة يكيدون لأهل السنة والجماعة كيدًا كما يكيد اليهود والنصارى لأمة الإسلام ، بل أعظم ؛ فإن عداوة اليهود والنصارى عداوة ظاهرة لا خفاء فيها ، وأما عداوة الفرق الضالة لأهل السنة والجماعة فهو عداء متكيف مع الوقت والضغوط فتارة يظهر واضحًا كعداء المعتزلة زمن المأمون والشيعة في بعض الدول ، وتارة يدخل في الظلام ، لكنه مثل عداء المنافقين الذين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يخرجون معه للجهاد ويحضرون مجالسه غالبًا ومع ذلك فهم من ألد أعداء الدين ، وهؤلاء مثلهم , ومن استقرأ الأدلة الشرعية وجدها تذكر عداوة المنافقين وتفضح خططهم بإسهاب أكثر مما تذكر عداء الكافرين ؛ لأنه موكول إلى فهمهم فهو أمر واضح ؛ ولا أدّلَّ على ذلك من أول سورة البقرة ، فلم يذكر في الكفار إلا آيتين فقط وذكر في المنافقين أكثر من ثلاث عشرة آية ، بل ناهيك بسورة التوبة التي هي الفاضحة ، وسورة المنافقون وغيرها . والمقصود أن مذهب السلف لو لم يكن منصورًا من الله تعالى لاندثر وباد كما أن دين الإسلام لو لم يكن من الله تعالى والله تولى حفظه لاندثر وباد والله المستعان . الثاني : أن السلف هم الطائفة المنصورة ؛ لأنهم منصورون في اعتقادهم فهم منصورون بالحجة والبيان ، والبرهان والدليل ، فلا يناظرهم مناظر أيًا كان إلا رد الله تعالى كيده في نحره وجعله غنيمة لأهل السنة ، فلا يأتون بشبهة وإن كبرت إلا ترى الله سبحانه وتعالى يسخر لها جنده فيكسرونها على سنن الكتاب والسنة ، أو ليس هذا نصر من الله تعالى لهذه الطائفة القليلة ، بلى والذي نفسي بيده , فهم يلقبون بالطائفة المنصورة ، أثرًا ونظرًا والله أعلم .
ومن أسمائهم أيضًا السلف : وهـذا الاسم لم يرد فيه دليـل شـرعي بخصوصه إلا أن أهل السنة والجماعة أجمعوا على التسمية به ، فأطلقوه بينهم بلا نكير ، ولم يكن هذا الاسم معروفًا إلا بعد ظهور المذاهب الضالة التي تنتسب إلى الإسلام ويلقبون أنفسهم بالسلف ، فأبى الله تعالى إلا أن يجعل الفضل لأهله فتسمى أهل السنة بالسلف وصار شعارًا عليهم والسلف لهم اعتباران ، اعتبار زمان واعتبار معتقد : فأما السلف باعتبار الزمان : فهم القرون الثلاثة المفضلة فقط ، الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية كمـا في حديث عمـران بـن حصين مرفوعًا " خـير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم... "(1) والحكم بالخيرية في هذه القرون حكم مختلف ، فالخيرية في قرن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم هو باعتبار الأعيان فأعيانهم خير ممن يأتي بعدهم إذ لا يأتي بعد الصحابة من هو خير منهم ، وأما الخيرية في القرنين الآخرين فهو باعتبار العموم والأغلب ، فالأغلب أن القرن الثاني خير من الثالث والثالث خير من الرابع في الجملة بغض النظر عن الأفراد ، فقد يأتي من الأفراد في القرون المتأخرة من هو خير وأفضل ممن قبله عدا قرن الصحابة ، وهكذا . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه "(2) هذا الحكم في الغالب لا الأعيان ، والله أعلم . فالسلف هم أهل القرون الثلاثة ومن بعدهم خلف . وأما السلف بالاعتبار الثاني : فيدخل فيهم كل من سار على نهجهم في العقيدة والعمل إلى قيام الساعة ، فإذا قيل : هل الحسن البصري من السلف ؟ قل : نعم ، هو من أئمة السلف بالاعتبارين باعتبار الزمان وباعتبار المعتقد . وإذا قيل لك : هل أبو العباس ابن تيمية من السلف ؟ قل : هو سلفي ، باعتبار المعتقد ، خلفي باعتبار الزمان ، وعلى هذا فقس .
ومن أسمائهم أيضًا : أهل الأثر وأهل الحديث وغيرها من الأسماء العظيمة التي تدل على سلامة هذا المنهج العظيم .
وأما من عداهم من الفرق فإنهم لم ينالوا هذا الشرف بل هم يتسمون بأسماء من أسس مذهبهم كالأشاعرة نسبة إلى أبي الحسن الأشعري ، والماتريدية نسبة إلى أبي منصور الماتريدي ، والجهمية نسبة إلى الجهم بن صفوان ، والسبأية نسبة إلى عبد الله بن سبأ اليهودي عليه من الله ما يستحق ونسأل الله أن يعامله بعدله لا بعفوه ؛ لأنه أدخل على الإسلام وأهله من البدع المضللة الشيء الذي يفوق الذكر . والزيدية نسبة إلى زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو منهم براء رضي الله عنه. وهي مع التعداد كثيرة والمقصود الإشارة , وإما أن تتسمى بالبدعة التي ابتدعتها ، وذلك كالخوارج ؛ لأنهم خرجوا على علي بن أبي طالب ، بل خرجوا عن المسلمين بالكلية واعتقدوهم كفارًا دمهم حلال ودارهم دار حرب . وكالقدرية ، وهم المعتزلة في باب القدر ؛ وذلك لأنهم يخرجون أفعال العباد أن تكون مقدورة لله تعالى . وكالجبرية ؛ لأنهم يعتقدون أن العبد مجبور على فعله ، وغيرها , أو تتسمى بشيء اشتهرت به وإن لم يكن في حقيقته أنه بدعة ، كالمعتزلة ؛ لأن رئيسهم واصل بن عطاء اعتزل مجلس الحسن البصري رحمه الله تعالى.
فاحذر رحمك الله تعالى من الدخول في هذا الميدان المظلم وكن لازماً أهل السنة والجماعة فإنهم أهل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة . إذا علمت هذا فاعلم أننا في هذا الزمان نعاني من المشكلة نفسها وهي التسمي بغير الأسماء التي دل عليها الدليل ووقع عليها الإجماع ، فكثير من المسلمين اليوم يتسمون بأسماء محدثة مولَّدة ليس عليها دليل بل هي إما لبدعة أحدثوها ، وإما على اسم مؤسس فرقتهم, فأنت ترى هذه الجماعات التي عمت بها البلـوى وطمت تتسمى بأسمـاء ليست شرعية ، لا تعرف عن أحـدٍ من السلف ، بل بعضهم - والعياذ بالله - يعقد الولاء والبراء مع هذه النسبة فتراه يحارب وبقوة كل من رفض الانتسـاب لفرقتـه وهــذا هـو عين التمـزق والتفرق المنهي عنـه فـي كتـاب ربنـا وسنـة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وإليك بعض الأمثلة :-
فنحن نسمع كثيرًا عن جماعة يقال لها جماعة التكفير والهجرة ، فهذه الجماعة من أخبث الجماعات الموجودة ، وهي جماعة ضالة مخالفة للأدلة الشرعية من كتاب وسنة وهي جماعة تعتقد أن الأصل في الناس هو الكفر ، ويكفرون المسلمين بلا دليل ويعملون معهم بالتقية ، والمقصود أنهم كالخوارج في كثير من أصولهم ، فهم تسموا بجماعة التكفير لأنهم يكفرون المسلمين بسبب وبغير سبب ، وتسموا بالهجرة لأنهم يوجبون الهجرة من ديار الإسلام ؛ لأنها دار حرب ، ولا أدري إلى أين وخاصة في هذا الزمان . فهذه الجماعة بهذا الاسم أعظم دليل على مخالفة القاعدة السابقة ( فالتكفير والهجرة ) ليس اسمًا شرعيًا ولا دليل عليه ، وهو خلاف منهج السلف .
ومن ذلك أيضًا حزب ( التحرير ) ، وهو حزب أصوله معروفة مقررة ، بل هو تسمية أخرى لمذهب المعتزلة وليس المقصود هنا بيان أصول الفرق والأحزاب وإنما المراد هو بيان أن من تسمى بغير اسم الإسلام والإيمان أو ما دل عليه دليل أو إجماع للسلف فهو مخالف لمنهجهم ومن ذلك حزب التحرير ولا أدري تحرير ماذا ؟ أهو تحرير البلاد أم تحرير القلوب من الاعتقاد الصحيح ؟ .
هذان مثلان مضروبان حتى تقوم أنت بجرد أسماء الجماعات الموجودة والأحزاب والفرق ، ثم تنظر فإن دل عليه دليل أو إجماع فهو اسم شرعي ، أو لا فيكون مخالفًا لمنهج أهل السنة والجماعة ، لكن يجب عليك أن تتنبه لقضية خطيرة جدًا - وهي كالخدعة من هؤلاء الضالين المضلين - وهي : أنهم انتبهوا لهذا الشيء أي انتبهوا إلى أن سبب التسمية لها شأن عند أهل السنة والجماعة ، من حيث الحكم على أهلها ، فأصبحوا يبحثون عن أسماء شرعية موافقة للكتاب والسنة لكنهم على ما هم عليه من الاعتقاد الباطل وذلك كتسمية المعتزلة والأشاعرة بالسلف وأهل السنة والجماعة فإنهم يطلقون على أنفسهم ذلك واقرأ في كتبهم ترى من ذلك الشيء الكثير ، فلا تنخدع بذلك وكن على حذر ، بل عليك أن تتعرف على الأمر كله ظاهره وباطنه قبل أن تحكم ، فأهل الضلال الذين ينفون الصفات يسمون أنفسهم أهل التنـزيه ، والمعتزلة يسمون أنفسهم أهل التوحيد والعدل ، وبعض الفرق عندنا يسمون أنفسهم حزب الله وحزب التوحيد ، والإخوان المسلمين ، وغير ذلك ، فيجب عليك البحث قبل إصدار الحكم فالأمر أصبح نفاقًا وخدعة والله المستعان .
وإذا علمت هذا فإنه قد يتطرق إلى الذهن سؤال مهم وهو :- أنت حكمت على أن من تسمى بغير اسم الإسلام أو ما دل عليه دليل وتسمى به السلف فقد خالفت منهج أهل السنة والجماعة ، فهل مخالفته هذه توجب علي أن لا أنظم معه ولا أعمل معه في الأعمال الدعوية والأنشطة التي يقوم بها حتى وإن كان فيها صلاح للإسلام والمسلمين ؟ فالجواب وبالله التوفيق :- هذا السؤال مبني على مقدمات :- الأولى : هل يجوز الانتساب إلى هذه الفرق مع مخالفتها لمنهج أهل السنة والجماعة في التسمية ؟ الثانية : هل يجوز التعاون معهم دون الانتساب إليهم أم أن الواجب هو ترك ما معهم من الخير والشر ؟ وجواب المقدمة الأولى :- هو أنه لا يجوز الانضمام إلى إحدى هذه الجماعات التي خالفت منهج أهل السنة والجماعة وذلك لأن القول بجواز الانضمام إليها والدخول تحت شعارها إقرار لها على هذه التسمية هذا بالنسبة إلى المخالفة في التسمية فما بالك إذا اقترن مع التسمية مخالفة لأهل السنة والجماعة في التأصيل كما هو واقع اليوم ، المهم : أن تعدد الجماعات الموجودة تدعو غالبًا إلى منهجها لا إلى الكتاب والسنة فتجد الواحد إذا انضم إليهم أعطوه أصولهم قبل أن يعطوه أصول الإسلام وهذا مشاهد مجرب ، فالقول : بجواز الانضمام دليل الرضى بهذا التفرق ونحن لا نقره . هذا جواب المقدمة الأولى .
وأما جواب الثانية :- فإن الدخول مع هؤلاء في نشاطاتهم الدعوية فإن الأمر لا يخلو من أربع حالات: إما أن يكون في التعاون معهم مصلحة خالصة لا مفسدة فيها بوجه من الوجوه فهذا لا بأس به . وإما أن يكون التعاون فيه مفسدة من وجه ومصلحة من وجه لكن تغلب مصلحته على مفسدته فهذا لا بأس به . وإما أن يكون التعاون معهم فيه مفسدة خالصة فحينئذٍ لا يجوز التعاون معهم وكذلك إذا غلبت المفسدة ، وذلك لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . وتقدير المفاسد والمصالح راجع إلى الشرع وشيء من الاجتهاد الخالي من الهوى والله المستعان وعليه الـتكلان.
قال الشيخ : محمد بن عثيمين في جواب سؤال عن جواز الانضمام والانتماء إلى حزب الإخوان أو التبليغ في بلادنا أهو صواب أم خطأ ؟ فأجاب ( الذي أرى أنه خطأ وأنه لا ينبغي أن تفرق الأمة هذا إخواني وهذا سلفي كلنا نريد أن نكون أمة واحدة تحت شعار واحد وهو الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولابد أن يطبق الإنسان أحكامه على حسب ما تقتضيه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ) . والله أعلم .
(1) حديث صحيح أخرجه أبو داود في " السنة " رقم (4607) : باب لزوم السنة ، والترمذي في العلم رقم (2678) : باب 16 ، وأخرجه أحمد في المسند 4/126 127، وابن ماجة في المقدمة رقم 42 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين .
(2) أخرجه ابن ماجه (2/1322، رقم 3992) وأخرجه الطبراني (18/70، رقم 129) . وأخرجه أيضاً: في مسند الشاميين (2/100، رقم 988) ، وابن أبى عاصم في السنة (1/32، رقم 63) ، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (1/101، رقم 149) .
(3) رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/447)، قال الهيثمي في المجمع (5/218): "رواه الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى طلحة وهو ثقة" وأخرجه الترمذي في الفتن (2167) من طريق آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما وفي آخره زيادة: ((ومن شذ شذ إلى النار))، وقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه"، وقال ابن حجر في التلخيص (3/141): "في سنده سليمان بن شعبان المدني وهو ضعيف"، وله شواهد كثيرة ولذا صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1759) ولكن بدون الزيادة.
(1) حديث صحيح , رواه البخاري 5 / 190 في الشهادات ، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد ، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الرقاق باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، وفي الأيمان والنذور ، باب إثم من لا يفي بالنذر ، ومسلم رقم (2535) في فضائل الصحابة ، باب فضل الصحابة ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم ، والترمذي رقم (2222) في الفتن ، ورقم (2303) في الشهادات ، وأبو داود رقم (4657) في السنة ، والنسائي 7 / 17 و 18 في الأيمان النذور .
(2) أخرجه أحمد (3/132، رقم 12369) ، وأبو يعلى (7/97، رقم 4037) ، ونعيم بن حماد (1/41، رقم 47) من حديث أنس بن مالك , والحديث صحيح .
التعليقات