القاعدة الحادية والعشرون :- مقصود الداعية في دعوته الاعتذار إلى الله تعالى بإقامة الحجة وهداية المدعوين .
أقول :- إن الداعية إلى الله تعالى له في دعوته مقصدان , الأول :- هداية المدعو ، وهذا قصده في المقام الأول ، ولكن أنت خبير بأن هداية التوفيق والإلهام إنما يملكها الله تعالى وحده لا شريك ، فإن أنت دعوت ودعوت ولم توفق في دعوتك لهداية أحد على يديك ، فلا تحزن ولا تكن في ضيق من أمرك فإن قدم الداعية ما في قدرته في هداية المدعوين ولكن ما كتب الله تعالى لهم الهداية ، فلا حرج عليه لأنه يكون بذلك محصلا للأمر الثاني وهو :- الاعتذار إلى الله تعالى ، ودليل هذين الأمرين قوله تعالى ] وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [ فقوله تعالى {معذرة إلى ربكم} هذا فيه بيان المقصود الأول من قيام الداعية بدعوته ، وهو الاعتذار إلى الله تعالى ، وقوله {ولعلهم يتقون} هذا فيه بيان المقصود الثاني ، وهو هداية المدعو ، فإن لم تتحقق هداية المدعو فقد اعتذرت إلى الله تعالى ، ولكن على الداعية أن يقدم المقدور عليه في دعوة الناس ، وبيان وجه الحق لهم ، ويستفرغ طاقته وجهده في الدعوة إلى الله تعالى بالوسائل المتاحة ، حتى لا ينسب إلى تقصير ، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وما على الداعية من حرج لو بذل ما في وسعه ولم يوفق للهداية أحد ، فإن الهداية التي يملكها الدعاة بإذن الله تعالى إنما هي هداية الدلالة والإرشاد ، وأما هداية التوفيق والإلهام فما هي بيد أحد ، بل هي بيد الله تعالى وحده لا شريك له ، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ] وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [ أي هداية دلالة وإرشاد ، وقال تعالى ] إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [ أي لا تهدي غيرك هداية توفيق وإلهام ، ولذلك فقد كان الله تعالى يعاتب نبيه صلى الله عليه وسلم أحيانا على حزنه عند عدم هداية بعض الناس، لأنه قد بذل ما في وسعه في هدايتهم ، ولكن الله تعالى ما أراد لهم الهداية ، فلم الحزن ، قال تعالى ] لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [ وقال تعالى ] وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ [ لأنك أيها النبي قد بلغت البلاغ المبين وبينت لهم الشريعة والدين ، ولكن أنا لم أرد لهم الهداية لحكمة بالغة ، فما عليك ، فأما البلاغ فقد بلغت ، وهذا هو الواجب عليك ، وأما هدايتهم فلا مدخل لك فيها ، لأنها من أمري ، وأنا أملك القلوب بين يدي ، فإن منعتهم منها فلا تحزن عليهم ، ولا تكن في ضيق من أمرك ، ولا يتكدر خاطرك عليهم ، لأنك بلغت وبرئت ذمتك وهذا فيه دليل على أن الداعية يدور في أمر دعوته بين أمرين :- إما أن يهدي الله تعالى به القلوب وهذا مطلب كبير ، ولكنه بيد الله تعالى وحده ، وإما أن يكون بدعوته قد برئت ذمته واعتذر إلى الله تعالى ، والله أعلم .
التعليقات