أهل السنة والجماعة مفوضة في كيفية الصفة لا معناها
وهذا هو المذهب الحق الذي لا يجوز نسبة أهل السنة إلى غيره ، فإن بعض من ينتسب إلى أهـل السنة يقـول إن أهل السنة يفوضون في المعاني ، كالسفاريني ، عليه رحمة الله تعالى ، لكـن الصواب هـو أن أهل السنة والجماعة إنما يفوضون الكيفيات لا المعاني ، ومعنى ( يفوضون ) أي يوكلون علم كيفية الصفة وما هي عليه في الواقع إلى الله تعالى ، ولذلك قالوا إن الواجب في الصفات إمرارها كما جاءت بلا كيف ، أي لا ندخل في تأويلها وتحريفها ، وتكلف الكلام في كيفيتها ، أو ندعي أنها مشابهة لصفات المخلوقين ، هذا هو الواجب في جميع الصفات ، واعلم أن الكلام في جميع الصفات له متعلقان ، الأول في المعنى في اللغة ، والثاني في حقيقتها التي هي عليه في الواقع ، أي في حقيقة كيفيتها ، فأما الكـلام في الكيفية فهذا لا يجوز البتة ، بل مجرد التفكير وإعمال الذهن في البحث عن كيفية الصفة ممنوع ومحذور ، ولا نعني بهذا الكلام أن صفات الله تعالى ليس لها كيفية في حقيقة الأمر بل لها كيفيـة ولكـن الذي ننفيه هو علمنا نحن بهذه الكيفية ، فلا يعلم هذه الكيفية أحد إلا الله تعالى ، لا يدري عنها ملك مقـرب ولا نبي مرسـل ، وهذا بالاتفاق إلا أنهم اختلفوا في نبينا - e - والصواب أنه لم يره ، لقوله لما قيل له : ( هل رأيت ربك ؟ ) . قال : (( نور أنى أراه )) والأدلة مذكورة في غير هذا الموضع ، ذلك أنه لا يمكن معرفة كيفية الشيء إلا بثلاثة طرق : إما بمشاهدته أو بمشاهدة نظيره أو بإخبار الصادق عنه ، وكلها منتفية في حق كيفية صفة الله تعالى فنحن لم نشاهده في الدنيا فقد قال - e - : (( تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه في الدنيا حتى يموت )) وتقدم القول الراجح فيه هو - e - ، وكذلك ليس لله تعالى نظير أو مثيل حتى نستدل به على الله تعالى ، كيف وقد قال الله تعالى : } ليس كمثله شيء { وكذلك لم يخبرنا الصادق عن كيفية صفته وإنما أخبرنا أن له صفات كمال ونعوت جلال فقط ولكن لم يقل إن كيفية صفة اليد مثلاً كذا وكذا ، فوجب الوقوف على ما وقف عليه النص ، فإذا انتفت هذه الطرق الثلاث في حقه - سبحانه وتعالى - فيتقرر حينئذٍ أننا لا نعلم كيفية الصفات وإذا كنا لا نعلمها فنحن نفوض علم كيفيتها إلى الله تعالى فأهل السنة مفوضة في الكيفيات .
وأما أننا لسنا من المفوضة في المعاني فذلك لوجوه :
الأول : قد أمرنا الله تعالى في كتابه الكريم أن نتدبر آياته فقال الله تعالى : } كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب { ، وقال تعالى : } أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا { وآيات أُخر فلو كنا لا نعلم معانيه فكيف يأمرنا بتدبر شيء لا نعلم معناه ، فإن هذا من تكليف ما لا يطاق وهو منتفٍ في الشريعة الإسلامية ، فلما أمرنا بتدبره وتعقله علمنا أنه مما يمكن تدبره وتعقله وهذا الحكم عام في جميع الآيات سواءً كانت من آيات الصفات أو غيرها .
الثاني : أن القرآن نزل بلسانٍ عربيٍ مبين ، والمتكلم به لا يريد إلا الهدى والبيان ، قال تعالى : } نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسانٍ عربيٍ مبين { ، وقال تعالى : } إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون { ، وقال تعالى : } تلك آيات الكتاب المبين . هدىً وبشرى للمؤمنين { . فمحال مع ذلك أن يخاطبنا بلسانٍ نفهمه وهو لا يريد إلا أن يهدينا إلى الصراط المستقيم محال مع ذلك أن يريد منا غير الذي نفهمه من المعاني المتقررة عندنا في لساننا العربي ومن قال غير ذلك فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الكذب والضلال ، إذ يلزم عليه أن القرآن كله ضلال وليس بهدى ذلك أن أكثر آيات القرآن كلها تقرر أسماء الله تعالى وصفاته ، بل يلزم عليه أيضًا أن ترك الناس بلا كتاب وسنة خيـر من إنزال الكتاب عليهم لأنه لم يزدادوا بهما إلا تعمية وجهلاً لأنهم يفهمون من ظاهر اللفظ شيئًا ، والمراد شيء آخر هذا اللازم يلزم من قال بقول أهل التعطيل ، وأما أهل السنة فهم يعلمون معاني آيات الصفات وذلك لأنها نزلت بلسانهـم ، وهـم أهـل لسـان ، ولذلك قـال الإمـام مالك لما سألـه رجل عن كيفية الاستواء ( الاستواء مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) فقوله ( الاستواء غير مجهول ) أي غير مجهول معناه في اللغة ، فإن الاستواء في لغة العرب إما أن يرد مجردًا عن الحرف فيكون بمعنى النضج والكمال ، ومنه قوله تعالى : } ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكمًا وعلمًا { أي لما بلغ نضجه وكماله ، وإما أن يرد مقيدًا بـ( إلى ) فيكون معناه القصد بإرادة تامة ، ومنه قول تعالى : } ثم استوى إلى السماء وهي دخان { أي قصد إليها بإرادة تامة ، وإما أن يرد مقيدًا بـ ( على ) فيكون معناه العلو والاستقرار ومنه قوله تعالى : } الرحمن على العرش استوى { في سبع مواضع من كتاب الله تعالى جمعها الناظم بقوله :
في السجدة الرعد الحديد ويونس وبطـه والأعراف والفرقـان
فمعنى الاستواء إذًا معلوم عندنا في لغة العرب وإنما الذي نجهله هو حقيقة هذا الاستـواء وكيفيتـه التي هو عليها في الواقع ، وهي ما يعنيه الإمام مالك بقوله ( والكيف غير معقول )، وكذلك قال أهل السنة والجماعة في آيات الصفات : ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) وهذا الواجب في جميع آيات الصفات أننا نمرها كما جاءت ولا نطلب لها كيفية وهي جاءت بمعانٍ معلومة عندنا بلساننا العربي ، ولكن بعض أهل البدع يحتجون لنفي العلم بالمعان بقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في آيات الصفات ( نؤمن بها لا كيف ولا معنى ) فقد نفى المعنى فكيف تقول إن أهل السنة يعلمون معاني الصفات ؟
الجواب أن يقال : إن صحت هذه العبارة عن هذا الإمام فلا بد من حمل كلامه على أحسن المعاني ذلك أن الواجب أن يؤخذ كلام المتكلم كله ويجمع ويؤلف بينه حتى لا يتناقض ، فالإمام أحمد من أكثر أهل السنة إثباتًا لمعاني الصفات ، فيكون المراد بالمعنى المنفي في كلام الإمام أحمد هو المعنى الذي ابتكرته الجهمية النفاة للأسماء والصفات وليس للمعنى الصحيح اللائق بالله تعالى ، ولا بد من هذا الكلام حتى لا يتناقض كلام هذا الإمام ، والعجب من أهل الأهواء فالذي يسمعهم يحتجون بكلام هذا الإمام يظن أنهم من أتباعه ولكنهم أهل أهواء فهم من أبعد الناس عن الأخذ بأقوال هذا الإمام وإنما أخذوا هذا القول من بين سائر أقواله لأنهم ظنوا أنه يخدم مذهبهم الباطل وما ظنوا أنه من معاول الهدم لمذهبهم لأنهم أتوا بمعانٍ باطلة ، وكلامه ينفي هذه المعاني الباطلة ، والله أعلم قال الناظم :
واحذر سؤال الكيف عن أوصافه وأجب بقول العالم الربانـي
فإن قيل هل الصفات من قبيل المتشابه أم من قبيل المحكم ؟
قلت هذا سؤال مجمل لا بد فيه من التفصيل ، فإن أريد بالصفات أي معانيها في اللغة فهي من قبيل المحكم الذي اتضح معناه كل الوضوح ، بل هي من أعلى درجات المحكم ، وإن أُراد بالصفات أي كيفياتها فهي من قبيل المتشابه الذي قد خفي معناه وليس لنا فيه إلا أن نقول } آمنا به كل من عند ربنا { ، والله أعلم .
فإن قيل هل المراد بالصفات ظاهرها أم غير ظاهرها ؟
قيل أن لفظ الظاهر من الألفاظ المجملة التي تحتاج إلى بيان ، فإن أُريد بالظاهر ما يفهمه أهل البدع من المعاني التي لا تليق بالله تعالى من التشبيه والتعطيل فهذا الظاهر لا شك أنه غير مراد لكن السلف رحمهم الله تعالى لا يسمون هذا ظاهر الصفة وإنما يسمونه لفظ الصفة وإن أُريد بالظاهر ما يتبادر إلى الذهن من المعاني التي تليق بالله تعالى فهذا الظاهر لا شك أنه مرادٌ وهذا هو الظاهر الصحيح للصفة ، والله أعلم.
وزيادةً في البيان أذكر بعض الفروع على هذه القاعدة :
منها : صفة السمع فنحن نعلم معنى السمع في اللغة فهو إدراك المسموعات وسماعها ، لكن حقيقة سمع الله تعالى وكيفيته هي التي لا نعلمها ونفوض أمر علمها إلى الله تعالى .
ومنها : صفة البصر نعلم معناها في لغة العرب فهو رؤية المبصرات ومشاهدتها أما حقيقة صفة البصر وكيفيته هي التي نجهلها ونفوض أمر علمها إلى الله تعالى . وتقدم لك القول في صفة الاستواء وعلى هذا فقس .
ومنها : صفة العلم ، فالعلم هو انطباع صورة المعلوم في الذهن وأما كيفية العلو الذي يضاف إلى الله فلا يعلمه إلا الله . وعلى ذلك فقس . والله أعلم .
أهل السنة والجماعة مفوضة في كيفية الصفة لا معناها
وهذا هو المذهب الحق الذي لا يجوز نسبة أهل السنة إلى غيره ، فإن بعض من ينتسب إلى أهـل السنة يقـول إن أهل السنة يفوضون في المعاني ، كالسفاريني ، عليه رحمة الله تعالى ، لكـن الصواب هـو أن أهل السنة والجماعة إنما يفوضون الكيفيات لا المعاني ، ومعنى ( يفوضون ) أي يوكلون علم كيفية الصفة وما هي عليه في الواقع إلى الله تعالى ، ولذلك قالوا إن الواجب في الصفات إمرارها كما جاءت بلا كيف ، أي لا ندخل في تأويلها وتحريفها ، وتكلف الكلام في كيفيتها ، أو ندعي أنها مشابهة لصفات المخلوقين ، هذا هو الواجب في جميع الصفات ، واعلم أن الكلام في جميع الصفات له متعلقان ، الأول في المعنى في اللغة ، والثاني في حقيقتها التي هي عليه في الواقع ، أي في حقيقة كيفيتها ، فأما الكـلام في الكيفية فهذا لا يجوز البتة ، بل مجرد التفكير وإعمال الذهن في البحث عن كيفية الصفة ممنوع ومحذور ، ولا نعني بهذا الكلام أن صفات الله تعالى ليس لها كيفية في حقيقة الأمر بل لها كيفيـة ولكـن الذي ننفيه هو علمنا نحن بهذه الكيفية ، فلا يعلم هذه الكيفية أحد إلا الله تعالى ، لا يدري عنها ملك مقـرب ولا نبي مرسـل ، وهذا بالاتفاق إلا أنهم اختلفوا في نبينا - e - والصواب أنه لم يره ، لقوله لما قيل له : ( هل رأيت ربك ؟ ) . قال : (( نور أنى أراه )) والأدلة مذكورة في غير هذا الموضع ، ذلك أنه لا يمكن معرفة كيفية الشيء إلا بثلاثة طرق : إما بمشاهدته أو بمشاهدة نظيره أو بإخبار الصادق عنه ، وكلها منتفية في حق كيفية صفة الله تعالى فنحن لم نشاهده في الدنيا فقد قال - e - : (( تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه في الدنيا حتى يموت )) وتقدم القول الراجح فيه هو - e - ، وكذلك ليس لله تعالى نظير أو مثيل حتى نستدل به على الله تعالى ، كيف وقد قال الله تعالى : } ليس كمثله شيء { وكذلك لم يخبرنا الصادق عن كيفية صفته وإنما أخبرنا أن له صفات كمال ونعوت جلال فقط ولكن لم يقل إن كيفية صفة اليد مثلاً كذا وكذا ، فوجب الوقوف على ما وقف عليه النص ، فإذا انتفت هذه الطرق الثلاث في حقه - سبحانه وتعالى - فيتقرر حينئذٍ أننا لا نعلم كيفية الصفات وإذا كنا لا نعلمها فنحن نفوض علم كيفيتها إلى الله تعالى فأهل السنة مفوضة في الكيفيات .
وأما أننا لسنا من المفوضة في المعاني فذلك لوجوه :
الأول : قد أمرنا الله تعالى في كتابه الكريم أن نتدبر آياته فقال الله تعالى : } كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب { ، وقال تعالى : } أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا { وآيات أُخر فلو كنا لا نعلم معانيه فكيف يأمرنا بتدبر شيء لا نعلم معناه ، فإن هذا من تكليف ما لا يطاق وهو منتفٍ في الشريعة الإسلامية ، فلما أمرنا بتدبره وتعقله علمنا أنه مما يمكن تدبره وتعقله وهذا الحكم عام في جميع الآيات سواءً كانت من آيات الصفات أو غيرها .
الثاني : أن القرآن نزل بلسانٍ عربيٍ مبين ، والمتكلم به لا يريد إلا الهدى والبيان ، قال تعالى : } نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسانٍ عربيٍ مبين { ، وقال تعالى : } إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون { ، وقال تعالى : } تلك آيات الكتاب المبين . هدىً وبشرى للمؤمنين { . فمحال مع ذلك أن يخاطبنا بلسانٍ نفهمه وهو لا يريد إلا أن يهدينا إلى الصراط المستقيم محال مع ذلك أن يريد منا غير الذي نفهمه من المعاني المتقررة عندنا في لساننا العربي ومن قال غير ذلك فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الكذب والضلال ، إذ يلزم عليه أن القرآن كله ضلال وليس بهدى ذلك أن أكثر آيات القرآن كلها تقرر أسماء الله تعالى وصفاته ، بل يلزم عليه أيضًا أن ترك الناس بلا كتاب وسنة خيـر من إنزال الكتاب عليهم لأنه لم يزدادوا بهما إلا تعمية وجهلاً لأنهم يفهمون من ظاهر اللفظ شيئًا ، والمراد شيء آخر هذا اللازم يلزم من قال بقول أهل التعطيل ، وأما أهل السنة فهم يعلمون معاني آيات الصفات وذلك لأنها نزلت بلسانهـم ، وهـم أهـل لسـان ، ولذلك قـال الإمـام مالك لما سألـه رجل عن كيفية الاستواء ( الاستواء مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) فقوله ( الاستواء غير مجهول ) أي غير مجهول معناه في اللغة ، فإن الاستواء في لغة العرب إما أن يرد مجردًا عن الحرف فيكون بمعنى النضج والكمال ، ومنه قوله تعالى : } ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكمًا وعلمًا { أي لما بلغ نضجه وكماله ، وإما أن يرد مقيدًا بـ( إلى ) فيكون معناه القصد بإرادة تامة ، ومنه قول تعالى : } ثم استوى إلى السماء وهي دخان { أي قصد إليها بإرادة تامة ، وإما أن يرد مقيدًا بـ ( على ) فيكون معناه العلو والاستقرار ومنه قوله تعالى : } الرحمن على العرش استوى { في سبع مواضع من كتاب الله تعالى جمعها الناظم بقوله :
في السجدة الرعد الحديد ويونس وبطـه والأعراف والفرقـان
فمعنى الاستواء إذًا معلوم عندنا في لغة العرب وإنما الذي نجهله هو حقيقة هذا الاستـواء وكيفيتـه التي هو عليها في الواقع ، وهي ما يعنيه الإمام مالك بقوله ( والكيف غير معقول )، وكذلك قال أهل السنة والجماعة في آيات الصفات : ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) وهذا الواجب في جميع آيات الصفات أننا نمرها كما جاءت ولا نطلب لها كيفية وهي جاءت بمعانٍ معلومة عندنا بلساننا العربي ، ولكن بعض أهل البدع يحتجون لنفي العلم بالمعان بقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في آيات الصفات ( نؤمن بها لا كيف ولا معنى ) فقد نفى المعنى فكيف تقول إن أهل السنة يعلمون معاني الصفات ؟
الجواب أن يقال : إن صحت هذه العبارة عن هذا الإمام فلا بد من حمل كلامه على أحسن المعاني ذلك أن الواجب أن يؤخذ كلام المتكلم كله ويجمع ويؤلف بينه حتى لا يتناقض ، فالإمام أحمد من أكثر أهل السنة إثباتًا لمعاني الصفات ، فيكون المراد بالمعنى المنفي في كلام الإمام أحمد هو المعنى الذي ابتكرته الجهمية النفاة للأسماء والصفات وليس للمعنى الصحيح اللائق بالله تعالى ، ولا بد من هذا الكلام حتى لا يتناقض كلام هذا الإمام ، والعجب من أهل الأهواء فالذي يسمعهم يحتجون بكلام هذا الإمام يظن أنهم من أتباعه ولكنهم أهل أهواء فهم من أبعد الناس عن الأخذ بأقوال هذا الإمام وإنما أخذوا هذا القول من بين سائر أقواله لأنهم ظنوا أنه يخدم مذهبهم الباطل وما ظنوا أنه من معاول الهدم لمذهبهم لأنهم أتوا بمعانٍ باطلة ، وكلامه ينفي هذه المعاني الباطلة ، والله أعلم قال الناظم :
واحذر سؤال الكيف عن أوصافه وأجب بقول العالم الربانـي
فإن قيل هل الصفات من قبيل المتشابه أم من قبيل المحكم ؟
قلت هذا سؤال مجمل لا بد فيه من التفصيل ، فإن أريد بالصفات أي معانيها في اللغة فهي من قبيل المحكم الذي اتضح معناه كل الوضوح ، بل هي من أعلى درجات المحكم ، وإن أُراد بالصفات أي كيفياتها فهي من قبيل المتشابه الذي قد خفي معناه وليس لنا فيه إلا أن نقول } آمنا به كل من عند ربنا { ، والله أعلم .
فإن قيل هل المراد بالصفات ظاهرها أم غير ظاهرها ؟
قيل أن لفظ الظاهر من الألفاظ المجملة التي تحتاج إلى بيان ، فإن أُريد بالظاهر ما يفهمه أهل البدع من المعاني التي لا تليق بالله تعالى من التشبيه والتعطيل فهذا الظاهر لا شك أنه غير مراد لكن السلف رحمهم الله تعالى لا يسمون هذا ظاهر الصفة وإنما يسمونه لفظ الصفة وإن أُريد بالظاهر ما يتبادر إلى الذهن من المعاني التي تليق بالله تعالى فهذا الظاهر لا شك أنه مرادٌ وهذا هو الظاهر الصحيح للصفة ، والله أعلم.
وزيادةً في البيان أذكر بعض الفروع على هذه القاعدة :
منها : صفة السمع فنحن نعلم معنى السمع في اللغة فهو إدراك المسموعات وسماعها ، لكن حقيقة سمع الله تعالى وكيفيته هي التي لا نعلمها ونفوض أمر علمها إلى الله تعالى .
ومنها : صفة البصر نعلم معناها في لغة العرب فهو رؤية المبصرات ومشاهدتها أما حقيقة صفة البصر وكيفيته هي التي نجهلها ونفوض أمر علمها إلى الله تعالى . وتقدم لك القول في صفة الاستواء وعلى هذا فقس .
ومنها : صفة العلم ، فالعلم هو انطباع صورة المعلوم في الذهن وأما كيفية العلو الذي يضاف إلى الله فلا يعلمه إلا الله . وعلى ذلك فقس . والله أعلم .
التعليقات