صفات الله تعالـى إما خبريةٌ محضة ، وإما خبرية وللعقل فيها مجالٌ
لقد تكلمنا في القاعدة السابقة عن هذه القاعدة ولكن لأهميتها أفردتها بالذكر لأنها تستحق ذلك فأقول :
اعلم رحمك الله تعالى أن صفات الله تعالى من حيث الثبوت لها طريقان لا ثالث لهما ، إما أن نثبتها بالنقل فقط وليس لها طريق إلا هو فهذه تسمى الصفات الخبرية المحضة أي ليس لها طريق تثبت به إلا النقل الذي هو الخبر من كتابٍ أو سنة ، وإما أن يكون أصل ثبوتها هو النقل ولكن للعقل في إثباتها مجال بحيث لو لم يرد الخبر بإثباتها لاستطعنا أن نثبتها لله تعالى على الوجه اللائق به جل وعلا ، ولا أعني أي عقلٍ يقدر على إثباتها وإنما أخص عقول أهل السنة والجماعة لأنهم أسلم الناس عقلاً ، ولذلك تقدم لك أننا نقدر أن نرد على الأشاعرة الذين يقولون إن العقل لم يثبت إلا الصفات السبع فقط بأن العقل قادرٌ على إثبات غيرها من الصفات ، ولكن هنا إشكال لا بد له من جواب وهو ، أننا ذكرنا سابقًا أن أهل السنة والجماعة لا يقحمون عقولهم في باب الصفات لأنه من الأبواب الغيبية وقلنا إن ما كان من باب الغيب فليس للعقل فيه مجالٌ فكيف تقول إننا نقدر على إن نثبت بعض الصفات لله تعالى بالعقل المجرد عن النقل ؟
والجواب عن هذا أن الذي أنكره أهل السنة والجماعة هو جعل العقل دليلاً مستقلاً تثبت به الأسماء والصفات بحيث تُثبت به الصفات وإن لم يدل عليها دليلٌ شرعي وينفى عن الله تعالى من الصفات ما نفاه هو وإن كان عليها دليلٌ شرعي متواتر كما فعل الأشاعرة ، الذين نفوا الصفات التي دلت عليها الأدلة السمعيات بمجرد أن عقولهم لم تثبتها ، وأما العقل السليم عن الآفات المؤيد بالشرع فإنه يعرف أن كل كمال ثبت للمخلوق وليس فيه نقص أن الله تعالى أولى به لأنه هو معطي الكمال ومعطي الكمال أولى بالكمال وأنه يعرف أن الصفـات الخبريـة المحضة ليس لـه فيهـا مجالٌ . فلا ننكـر عليـه حينئذٍ باب الصفات لأنـه لا يترتب على الدخول فيها محذور ، ويقال أيضًا إننا نمنع دخول العقل فيما كان من باب الصفات الخبرية المحضة وأما الصفات الخبرية العقلية فلا ننكر إدخال العقل فيها إذا توافق العقل مع النقل ولذلك نحن لم ننكر على الأشاعرة أنهم أثبتوا الصفات السبع بالعقل لأن هذه الصفات خبرية عقلية ، ولكننا ننكر عليهم أنهم ينفون بقية الصفات لأن عقولهم لم تدل عليها فقد نفوا بعقولهم ما أثبته الدليل النقلي الصحيح .
وخلاصة الجواب أن يقال : إن إدخال العقل فيما ليس له فيه مجال وهي الصفات الخبرية المحضة هو الذي ننكره ، والله تعالى أعلى وأعلم .
التعليقات