القاعدة السادسة والعشرون
لا يجوز فعل عبادة لله بمكان يفعل فيه جنس هذه العبادة لغير الله
وهي من قول الشيخ : محمد في كتاب التوحيد ( باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ) ودليل ذلك قوله تعالى : } لا تقم فيه أبدًا { فإن المنافقين لما بنوا مسجد الضرار إرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل وتفريقًا بين المؤمنين أرادوا من رسول الله - e - أن يصلي فيه حتى يتخذوا صلاته فيه دعاية لهذا المسجد وشهرة له ، فقال عليه الصلاة والسلام سأفعل إن شاء الله ، فلما رجع من تبوك أنزل الله عليه آيات سورة التوبة في مسجد الضرار فأمر به فأحرق ، والشاهد أن الله تعالى نهى نبيه - e - أن يقوم في مسجد الضرار أي أن لا يصلي فيه مع أن صلاته - e - عبادة ؛ ذلك لأن هذا المكان تفعل فيه هذه العبادة لغير الله ، ويدل على ذلـك أيضًا حديث ثابت بـن الضحـاك قـال : ( نذر رجل أن يذبح إبلاً ببوانة فسأل النبي - e - فقال : (( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ )) . قالوا : لا . قـال : (( هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ )) . قالوا : لا . فقال للرجل : (( فأوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم )) ) رواه أبو داود وسنده على شرطهما ، وهذا الحديث أقرب في الاستدلال لهذه القاعدة من الآية ، ووجه الاستشهاد منه أن هذا الرجل حدد لنذره موقعًا محددًا ولا شك أن الوفاء بالنذر عبادة كما مضى لأنه يحبه الله ويرضاه وكل ما يحبه الله ويرضاه فهو عبادة ، فأراد النبي - e - أن يتأكد من سبب هذا التحديد خشية من الوقوع في الشرك وإحياء سنة الكفار من الأعياد والأوثان ، ومن المعلموم أن المشركين يريقون الدماء عند أوثانهم وكذلك يريقون الدماء في أعيادهم ، كما نحن نفعل من إراقة الدماء عند بيت الله الحرام وفي عيد الأضحى ، والمراد أن النبي - e - لما سئل هذه الأسئلة دل على أن الجواب يختلف باختلاف حال المكان وأن الجواب لو كان بنعم لكان جوابه بتحريم إقامة هذا النـذر و لا شـك ولـو لـم نعتقـد ذلك لصار سؤالـه - e- عنبًا لا فائدة فيه ، فقد نبه النبي - e - الناذر أن لا يفعل هذه العبادة وهي الوفاء بالنذر في مكان تفعل فيه نفس العبادة وهي الذبح والتقرب للأوثان وليوم العيد لغير الله تعالى ، فالمشركين يذبحون لأوثانهم فلا يجوز أن نذبح في أمكنتهم التي يذبحون فيها .
وكذلك كره كثير من العلماء إراقة الدماء في الأيام التي يذبح فيها المشركون لأعيادهم وأوثانهم خشية من المشابهة وهذا الحديث نص في هذه القاعدة ، فلا يجوز إذًا أن نفعل أي عبادة ولو لله تعالى في مكان تفعل فيه هذه العبادة لغير الله تعالى فلا نذبح لله في مكان يذبحون فيه لغير الله ولا نصلي لله في مكان يصلون فيه لغير الله ، وهذا واضح إن شاء الله تعالى ، وبقي عندنا سؤالان تتميمًا للفائدة :
الأول : لماذا نهينا عن هذا الشيء ؟
الثاني : ما حكم زيارة المقابر التي يفعل فيها الشرك ؟
الجواب : أما السؤال الأول : فإن الشريعة الإسلامية المحمدية حذرت كل الحذر من أمور : من مشابهة الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من الكفرة ، ومن إحياء سنتهم بعد موتهم ، وسد للذرائع ، وحماية المسلم من الدخول في هذه المواقع التي قد ينزل العذاب عليهم فيها ، والموافقة في الهدي الظاهر قد تؤدي إلى الموافقة في الهدي الباطن ، ومن أدلة الأول : قوله - e - : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) وقوله على سبيل الإنكار : (( لتتبعن سنـن مـن قبلكم حذو القذة بالقذة )) . قالوا : اليهود والنصارى . قال : (( فمن ؟ )) وقوله - e - : (( خالفوا المجوس أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى )) وقال عليه الصلاة والسلام : (( صلوا في نعالكم فإن اليهود لا تصلي في نعالها )) ونهى عن السدل لأنه من فعل اليهود وهكذا في أدلة كثيرة . ومن أدلة الثاني : أن النبي - e - قال للأنصار لما رآهم يلعبون في يوم كان لهم في الجاهلية : (( قد أبدلكم الله بهما يومين يوم الفطر ويوم الأضحى )) وهذا إخماد لسعادة المشركين وكذلك هذا الحديث أعني حديث ثابت بن الضحاك السابق يدل على إخماد عادات المشركين في أعيادهم وعند أوثانهم ، وغير ذلك من الأدلة ، فهذان الأمران حرام في شريعة محمد - e - فلا يجوز لنا أن نشبه بالمشركين ولا أن نحيي ما كان من عاداتهم وعباداتهم ، وهذه القاعدة منبثقة من تحريم هذين الأمرين فهي تمنع أن تقام العبادات في الأمكنة التي يقيم المشركون فيها عباداتهم سواءً يقيمونها الآن أو كانوا يقيمونها ؛ لأن في الحديث (( هل كان فيها وثن يعبد )) وكان فعل ماضٍ ناقص مما يدل على المنع من إقامة العبادة في مكان تقام أو كان يقام فيه جنس هذه العبادة لغير الله .
وأما جواب الثاني : فإن زيارة القبور نوعان شرعية وبدعية وقد مضى ذلك ولا شك أن زيارة القبور عبادة إذا لم تترتب على محظور ، فتسن هذه العبادة في مكان لا يفعل فيه جنسها لغير الله ، فبناءً عليه لا يجوز زيارة القبور إذا كانت المقبرة يفعل فيها عبادات شركية من الطواف حول القبور والنذر إلى القبور والذبح عندها ونحوه لهذه القاعدة لأن الزيارة الشرعية من جنس الزيارة البدعية فليس بينهما فرق كبير في الصفة .
فالواجب هو تجنب المقابر التي يفعل فيها نوع من أنواع الشرك ، والله تعالى أعلى وأعلم .
ومن فروع هذه القاعدة عدم جواز ذبح شيء لله تعالى في مكان يذبح فيه لغير الله كمسلخة يذبح فيهل لوثن ونحوه ، بل والأفضل أن لايذبح الإنسان في الأوقات التي يكون فيها عيد من أعياد المشركين قطعًا لدابر المشابهة ، وما النهي عن الصلاة بعد طلوع الفجر وصلاة العصر إلا أكبر دليل على ذلك .
ومنها : أنه لا تشرع ، بل لا تصح الصلاة في مسجد فيه قبر يصلي فيه له كما في بعض المساجد في بعض الدول ، فالصلاة في هذا المسجد حرام لا تصح ؛ لأنه يفعل فيه جنس هذه العبادة لغير الله تعالى ، وعلى هذا فقس ، قال الناظم :
لا تفعلن عبادة في بقعة فعلت به للشرك والكفران
والله تعالى أعلى وأعلم .
التعليقات