الأصل في التوسل التوقيف إلا بدليل
التوسل هو : أن يقرن الإنسان بدعائه أمرًا تُرجى معه الإجابة ، وذلك بذكر محبوب للمدعو ، هذا التوسل من أمور العقيدة المهمة التي تاهت فيها العقول وزلت فيها الأقدام ، والأصل في هذا الباب هو الحظر والتوقيف إلا بدليل شرعي ، فلا يجوز للإنسان أن يتوسل بشيء إلا وعليه دليل شرعي صحيح . وقد سبر العلماء الأدلة فوجدوا أنه لم يرد في الكتاب والسنة إلا ست وسائل دل الدليل على جواز التوسل بها ، فإليكها بأدلتها :
فمنها : الأسماء : أي أسماء الله تعالى ، فيجوز التوسل بأسماء الله تعالى سواءً على العموم ، أي تقول : أسألك بأسمائك الحسنى ، أو على الخصوص ، لكن يشترط أن يكون الاسم المتوسل به ملائمًا للمطلوب ، فإذا طلبت الرزق فقل : يا رازق ، وإذا طلبت المغفرة فقل : يا غفور يا رحمن . قال تعالى : } ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها { .
ومنها : الصفات : أي يجوز لك أن تتوسل لصفات الله تعالى على العموم أو على الخصوص مع تلائم الصفة المتوسل بها مع المدعو وثبت أن النبي - e - قال : (( أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى )) .
ومنها : التوسل بذكر الأعمال الصالحة فتقول أسألك بصلاتي وأسألك بحبي لك ولرسولك - e - وهكذا ودليل ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين في ذكر الثلاثة الذين دخلوا الغار فسدت عليهم صخرة الباب فقالوا : إنه لن ينجيكم من أخر هذه الصخرة ألا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم فتوسل الأول ببره بوالديه والآخر لعفته وخوفه من ربه والثالث بأمانته ، وهذه كلها أعمال صالحة وأقرهم النبي - e - لما حكى حالهم مما يدل على جوازه .
ومنها : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله - e - قال تعالى عن حال المتفكرين في خلق السموات والأرض } ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار { أي بسبب إيماننا اغفر لنا ، وهذا داخل فيما قبله لأن الإيمان عمل صالح .
ومنها : التوسل إلى الله تعالى بذكر حال الداعي وهذه سنة أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم فهذا نوح يقول : (( رب إن قومي كذبون )) وهذا موسى : (( رب إني لما أنزلت إلى من خيرٍ فقيرٍ )) وهذا محمد - e - يقول : (( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ... )) الحديث ، فتقول : اللهم إني كذا وكذا فأعطى أو وفقني وهكذا .
ومنها : التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجال الصالح وستأتي له قاعدة معتقلة - إن شاء الله تعالى - بعد هذه القاعدة . قال الناظم :
لا تقرنن مـع الدعـاء وسيلـة فالأصل فيه المنع دون توانـي
إلا إذا دل الدليـل فـجائـزٌ كالوصف والأسماء للرحمــن
أو بالدعاء من الذي هو صـالح إن كان حياً حاضراً شرطـان
وكذا بذكر الحال والعمل الذي هـو قـربـة لله كالإيمـان
وماعدا ذلك فإنه من التوسل الممنوع وذلك كالتوسل بالأموات والفساق وبذات النبي - e - وبجاهه أو بالأحجار والأشجار فكل هذا من التوسل المحرم وما يروى لبعضها من الأحاديث كله كذب مفترى لم يقله رسول الله - e - كقولهم : (( إذا سألتم الله فاسألوا الله بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم )) فهو موضوع باتفاق أهل المعرفة وكقولهم : (( من زار قبري وقبر أبي في عام ضمنت له الجنة )) وكقولهم (( من أحسن ظنه بحجر نفعه )) وغيرها كل هذا من الكذب البين المصادم لشريعة محمد - e - وذلك يقول الناظم في ذكر التوسل الممنوع :
ونمنعن من التوسـل الــذي لـم يبعثـنـه شرعنـا حينئـذ
كمن دعـا الأموات أو بجاره نبـينـا ومصطفـى الإلـــه
ومثله إن كـان بالأشـجـار كذلكم إن كــان بالأشجـار
وجامـع الأصـول في التوسل أن تعرضن وسيلـة التوســل
فإن تكـن صحيـحة مشروعة أو إن تكـن وسيلـة مـمنوعة
أجز إذًا أو لا تجـز كما مـضى وتلكـم الخاتـمة فـقـد قضى
والبيتين الأخيرين كالقاعدة في باب التوسل فخذ بها تنجو من خرافات المخرفين وخزعبلات المبتدعين ، والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد .
التعليقات