الإيمان : قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان
هذه القاعدة هي من أعظم معتقدات أهل السنة والجماعة والتي خالفوا بها كثيرًا من الفرق الضالة ، وكل جزئية من جزئيات هذه القاعدة لها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة ، فالإيمان عند أهل السنة والجماعة مبني على ثلاث ركائز :
الركيزة الأولى : الاعتقـاد بالقلب : وهـو مـن أهم ركائـز الإيمان ولذلـك قـال النبـي - e - لما سأله جبريل عن الإيمان قال : (( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )) ، وقبل ذلك قوله تعالى : } يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ... { الآية ، وقال تعالى : } إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا { ، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جدًا .
الركيزة الثانية : قول باللسان : وهو في المرتبة الثانية بعد الاعتقاد بالقلب ولا يغني أحدهما عـن الآخر أبـدًا ، بـل لا بد منهما جميعًا إذ الاعتقاد بلا إقرار لا يعد إيمانًا والإقرار بلا اعتقاد وهو عين النفـاق ، قـال تعالى : } قولوا آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل ... { الآية [ في سورة آل عمران ] وكذلك سورة البقرة ، فأمر الله تعالى فيهما بالقول أي بالنطق بالإيمان ولم يكتف بمجرد الإقرار ، وكذلك قوله تعالى : } فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون { فأمرهم بالنطق بالإسلام ، ومنه قول النبي - e - : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله )) وفي حديث ابن عمر : (( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله )) فعلق عصمة الدم والمال والنفس على النطق ولم يكتف بمجرد الاعتقاد .
واعلم أن هذه الركيزة أخرجتها من مسمى الإيمان الأشاعرة والماتريدية ؛ لأنهم قالوا : إن الإيمان هو مجرد الاعتقاد فقط ، والركيزة الأولى وهي الاعتقاد أخرجتها الكلابية فقالوا : إن الإيمان هو مجرد القـول فقط ، فيلزم على هـذا القول أن المنافق نفاقًا اعتقاديًا مؤمن كامل الإيمان ؛ لأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ومما يدل على أهمية الجمع بين الاعتقاد والقول هو قول الله تعالى : } إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون { فهم قالوا بألسنتهم ، لكنهم كذبوا في هذا القول ، ليس لأن المقول كذب ، بل لأن القائل كاذب فيما قال من الحق ، أي هم لم يقولوا كذبًا لكنهم كذبوا في هذه الشهادة بعينها لأنهم شهدوا بما ليس في قلوبهم ولذلك قال تعالى : } والله يعلم إنك لرسوله { فلما كذبهم في شهادتهم ؛ لأنهم لم يعتقدوا فدل ذلك على أهمية ارتباط القلب باللسان .
الركيزة الثالثة : العمل : وهي ركيزة مهمة إلا أنها ليست كالركيزتين الأوليين ، فالأعمال من الإيمان ولاشك ، دل على ذلك الكتاب والسنة قال تعالى : } وما كان الله ليضيع إيمانكم { أي صلاتكم ؛ لأن الصحابة لما حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة قالوا : كيف بإخواننا الذين ماتوا قبل ذلك كيف بصلاتهم فأنزل الله هذه الآية فسماها إيمانًا وهي عمل مما يدل على أن الأعمال داخلة في الإيمان ، وكذلك قوله - e - : (( الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من شعب الإيمان )) متفق عليه ، ومسلم : (( فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناهـا إماطـة الأذى عـن الطريـق )) فعـد إماطـة الأذى عـن الطريق إيمانًا وكذلك قوله - e - لوفد عبد القيس : (( أتدرون ما الإيمان )) . قالـوا : الله ورسولـه أعلم . قال : (( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس )) وهذه كلها أعمال فجعلها إيمانًا ، والأدلة على ذلك كثيرة مذكورة في غير هذا الموضع فالمقام مقام اختصار لا بسط والمهم أن تعرف أن أهل السنة والجماعة يقولون : إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، وأن المرجئة أخرجوا العمل والأشاعرة والماتريدية أخرجوا العمل والقول ، والكلابية أخرجوا الاعتقاد والعمل ، وأما الجهمية فقالوا : إن الإيمان هو مطلق المعرفة فمن عرف الله عزوجل فهو مؤمن كامل الإيمان وهذا قول يلزم عليه لوازم كثيرة باطلة ويكفي في بطلانه أن فرعون الطاغية وإبليس المطرود ومؤمن كامل الإيمان . قال الناظم :
إيماننا عقد وقول هكذا عمل فتلك ركائز الإيمان
والرد على هذه الأقوال مذكورة في كتب المطولات وإنما القصد التقعيد والله تعالى أعلى وأعلم
التعليقات